د.عبدالرحيم محمود جاموس
لا يكفي أن يكون القانون بجانبك ولصالحك حتى تنال حقوقك أو تستعيدها، حتى لو صدر لك حكم قضائي يؤكد حقوقك ويطالب الخصم بردها إليك أو لأصحابها، إذ لا بد من وجود قوة تنفيذية بجانب القانون تمتلك القوة والقدرة والصلاحية الكافية لتنفيذ القانون وتنفيذ أحكام القضاء، سواء أكانت هذه الحقوق فردية أو جماعية، خاصة أو عامة، لذا فإن السلطة التنفيذية الشرعية والقوية الخالية من العيوب على مستوى الدولة، هي التي تحتكر استخدام هذه القوة وتمتلك القدرة والمشروعية في استخدامها في وجه الجميع من أفراد ومؤسسات الدولة لتنفيذ القانون وأحكام القضاء المستندة إليه، في حين أن افتقاد مثل هذه القوة أو غيابها أو عدم توفرها أو فسادها يجعل من قواعد القانون وأحكام القضاء حبرًا على ورق، وتحل الفوضى وقانون الغاب محل القانون وأحكامه، لتحكم العلاقات داخل الدولة والمجتمع الواحد، وتكون النتيجة إنتاج مجتمع مهلهل ودولة ضعيفة وفاشلة.
ما ينطبق على فاعلية القوانين الداخلية من حيث المشروعية والفاعلية والنفاذ في استنادها إلى سلطة تنفيذية تمتلك القدرة وتحتكر استخدام عنصر القوة لتنفيذ وفرض احترامها والتقيد بها من قبل أفراد المجتمع الواحد ومؤسساته، ينطبق أيضاً على فاعلية قواعد القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية وقرارات محاكمها المنظمة للعلاقات بين الدول وأشخاص القانون الدولي بصفة عامة، إن افتقاد القانون الدولي والقضاء الدولي للسلطة التنفيذية التي تمتلك القدرة والشرعية وتحتكر استخدام القوة في مواجهة الخارجين عليه من أجل فرض احترام قواعده واحترام قرارات القضاء الدولي لتصبح نافذة على أشخاصه وأفراده وتنفيذ أحكامه وقراراته بحقهم جعل المجتمع الدولي أقرب إلى حالة الفوضى وإلى قانون القوة وقانون الغاب منه إلى حالة النظام المحتكم للقانون.
في ظل هذا النظام الدولي السائد منذ الحرب العالمية الثانية إلى اليوم فإن القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ليست أكثر من (مجرد لعبة علاقات عامة يتقنها الكبار من الدول لتوافرهم على عنصر القوة بكل تجلياتها المختلفة التي يمكن لهم استخدامها في وجه الآخرين من الضعفاء واستخدام القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية فيها فقط في إطار التبرير والتغطية على تدخلاتهم في شؤون الآخرين أو حروبهم ضد الغير)..!
إن المثال الأوضح على ضعف القانون الدولي في حماية الحقوق أو استعادتها لأصحابها من غير الكبار يتجلى في تطبيقاته على مختلف القضايا العربية وعلى رأسها قضايا الاعتداءات الإسرائيلية على فلسطين وعلى العرب بصفة عامة، إن كافة القرارات التي صدرت بشأن قضايا الصراع العربي - الإسرائيلي والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة والمتواصلة (هي مجرد توصيات وليست قرارات فاعلة وملزمة ترافقها أي تدابير لفرض احترامها وتنفيذها على أرض الوقع، فهي مجردة من عنصر القوة المادية القادرة على فرضها وتنفيذها، تاركة الأمر للمعتدي لتحديد مدى الالتزام بها والكيفية التي يرتئيها لتنفيذها، فهي لا تمتلك سوى قوة معنوية خالية من القدرة والقوة الدولية التنفيذية لفرضها وإلزام الكيان الصهيوني المعتدي على تنفيذها والتقيد بها...).
إن غياب وافتقاد القوة الذاتية العربية والفلسطينية قد سهل على الكيان الصهيوني تجاهل تنفيذ كافة القرارات الدولية التي صدرت عن الأمم المتحدة منذ القرار 181 لسنة 1947 إلى القرار 194 لسنة 1948م إلى آخره من سلة القرارات التي صدرت عن مجلس الأمن والجمعية العامة بدون استثناء.
لذا فإن مواصلة الانتظار لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية وقرارات محاكمها واحترام قواعد القانون الدولي في ظل غياب القوة التنفيذية الدولية والقوة التنفيذية الفلسطينية والعربية الذاتية، هو ضرب من ضروب الخيال المستعصي على التحقيق والتطبيق على أرض الواقع، هذا يفترض السعي إلى بناء القوة الذاتية العربية والفلسطينية بكافة أشكالها وتجلياتها وتفعيلها في مواجهة قوى الاحتلال الإسرائيلي لدفعه إلى الانصياع لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية بشأن تسوية الصراع القائم، لأن الركون إلى النظام الدولي القائم وقراراته غير كفيل باستعادة الحقوق الوطنية المغتصبة أو حتى جزء منها يلبي الحد الأدنى لتطلعات الشعب الفلسطيني والأمة العربية، وغير كفيل بإجبار الكيان الصهيوني بالالتزام بها... وفق القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.
إن أولى مهام بناء القوة الفلسطينية الذاتية، يتمثل في التخلص من عناصر الضعف المتمثلة في إنهاء الانقسام وإعادة صياغة الرؤية الوطنية الآخذة في التشظي والتآكل أمام عنت وصلف الاحتلال وإجراءاته الإجرامية على أرض الواقع من استيطان وضم وتجزئة للجغرافيا والديمغرافيا الفلسطينية، والعمل على إعادة بناء المؤسسات الوطنية وتفعيلها من فصائل وأحزاب ونقابات ومنظمات وفصائل مكافحة وجسر الهوة الواسعة والعميقة بينها وبين جماهير الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، وصولاً إلى البناء الوطني الشامل على أسس ديمقراطية تشاركية في إطار م.ت.ف الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
بعد ذلك يتسنى لـ م.ت.ف وللشعب الفلسطيني وقيادته في الداخل والخارج من استعادة عناصر القوة الفلسطينية والعربية والدولية المختلفة والضاغطة لاستخدامها في مواجهة العدو الإسرائيلي، في مقدمتها استعادة الحاضنة الشعبية والرسمية العربية، إضافة إلى تفعيل الرأي العام الدولي الرسمي والشعبي ليفعل مواقفه المعنوية والمادية التي سبق أن عبرت عنها دوله في المحافل الدولية المختلفة، ومساندة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والوقوف إلى جانب مطالبه الوطنية التي أقرتها الشرعية الدولية ويوجب القانون الدولي احترامها وصيانتها وتنفيذها بدءًا من حق العودة إلى حق تقرير المصير وإنهاء الاحتلال والاستيطان إلى إقامة الدولة المستقلة والمترابطة جغرافيًا وديمغرافيًا وعاصمتها القدس...
ليس بالقانون وحده تستعاد الحقوق والأوطان...
وللحديث بقية..