ناصر السهلي
«الجزيرة» - ناصر السهلي:
يعرّف علماء الرياضيات «الزاوية» بأنها عبارة عن مقدار الانفراج المحصور بين خطَّين مستقيمين، وفي السياق التعليمي يتفاءل التربويون في أن يشكل التعليم عن بُعد انفراجة لزاوية أو ركن قادر على إحداث نقلة واعدة في مسيرة التعليم في المملكة؛ بحيث ينقله من مرحلة التقليدية إلى الرقمنة تدعمه في ذلك نجاحات البنية التحتية الاتصالية للمملكة والتي برهنت مع جائحة كورونا قدرتها الفائقة في إيجاد البدائل لتسيير شؤون الحياة.
بدأت وعلى غير العادة.. الأسر مستهلةً العام الدراسي الجديد، بعد أن استيقظ أفرادها في وقتين متباينين مبتدئين رحلة تعليمية تعامدت فيها أجسام المساطر مع الأقلام مشكلةً زوايا وأركاناً تعليمية ذات مقاسات متعددة في كل غرفة وبأسلوب جديد فرضته الجائحة على مستقبل التعليم في العالم.
يتوثب الشباب سابقين الصغار قبل ساعات البدء للقاء أقرانهم ومعلميهم عبر منصة مدرستي التي أطلقتها وزارة التعليم ففي التاسعة صباح كل يوم، يلقي الطلاب والطالبات «تحية العلم» ويمضون متسلحين بالعلم والمعرفة عبر ما توفر لهم من خبرات تراكمية فرضتها تقنية العصر عبر التطبيقات والمنصات الرقمية، فيما تبدأ رحلة الصغار على ذات المنصة خلال الفترة المسائية عند الثالثة عصراً مستهلين يومهم الدراسي بالنشيد الوطني الذي ستدوي به استوديوهات البث التعليمي على مسامع 6 ملايين طالب وطالبة.
وفي إيماءة لطيفة ورسالة بليغة لأهمية الرياضة، لم يكن للتعليم عن بُعد أن يعطل حاجة الأجسام الفتية والناشئة إلى التمارين الصباحية الخفيفة، بل كان لابد من التذكير بأن صحة العقل مرهونة بصحة البدن ثم يستعرض الطلاب والطالبات جداولهم الدراسية، ليلتقوا بمعلميهم من داخل فصولهم الافتراضية البالغة أكثر من 250 ألف فصل افتراضي في اليوم في صورة مثيرة وحيوية، مبعثها ضمان التشاركية والتفاعل مع الشروحات والتكليفات والواجبات في العملية التعليمية إلى جانب تفعيل غير مسبوق لمحتوى رقمي هائل ومتجدد، من شأنه أن يثري المعارف ويعزز المهارات عبر سلسلة من الفيديوهات والأسئلة المتنوعة.
ومن المنتظر أن تعج الزوايا والأركان داخل البيئة التعليمية الجديدة، بالشركاء الحقيقيون (أولياء الأمور) ليسطروا قصص النجاح الواعدة، ليس من خلال التحفيز والمتابعة اليومية فحسب؛ بل وعبر تعرفهم عن كثب وبيسر وسهولة على منجزات أبنائهم وتقييم مستوى تقدم تحصيلهم الدراسي عبر النظام التقني الذي تتيحه منصة مدرستي، في وقت سخرت وزارة التعليم بدائلها التعليمية الأخرى لمن قد تتعذر عليه إمكانية الاتصال بالإنترنت أو عند عدم وجود التجهيزات التقنية اللازمة، والتي تتراوح بين ضبط تردد قنوات عين الفضائية على دروس متاحة لهم، وبين مرافقة ولي الأمر ابنه للمدرسة لتسلم التكاليف حضورياً وتحديد خيارات أخرى أكثر ملاءمة ومناسبة للطالب والطالبة ومدارسهم.
وينتظر الطلاب والطالبات مع معلميهم وتحت إشراف مباشر من أسرهم نتائج خوض تجربة التعليم عن بُعد والتي فرضتها تداعيات الوباء العالمي هذه المرة كتجربة جديدة يتعاهدها جميع الأطراف بالنجاح التام الذي يعول كثيراً فيه على دور أكبر لأولياء الأمور مما اعتادوا عليه في السابق، وبخاصة فيما يتعلق بالتعامل مع متطلباتها والمتابعة الجادة على نحو يحقق الاستفادة القصوى من الخدمات التعليمية المقدمة وهو ما يشكل حجر الزاوية الحقيقي لنجاح رحلة التعلم الإلكتروني في المملكة.