د. محمد ابوبكر حميد
المشاعر لا تشيخ مهما تقدم العمر بصاحبها، والقلب الفياض بالحب لا تضعف نبضاته بمر السنين بل تزداد قوةً، فليس للحب عمر، ومن أحب فقد عاش في شباب دائم. وأشهد أني أرى شباب عبدالعزيز خوجة يتجدد في كل قصيدة، فقد تجولت في حدائق دواوينه جميعًا وحلقت في سماواتها، فرأيت في كل قصيدة سحابة، ورأيت السحاب يهطل هتانًا بالمشاعر فتزهر الحروف، وتتألق القوافي، وتفيض البحور أمامه وكأنه قد ملك عصا موسى ففرَّقها ومر من بينها.. !
وإذا كان بعض الشعراء تضعف قوة تدفق مشاعرهم في شعرهم بتقدمهم في العمر وتتحول إلى مجرد نظم، فإني وقفت أمام ظاهرة عجيبة في شعر د.عبدالعزيز خوجة لم أجدها عند كثيرين غيره، وهي أن قوة تدفق مشاعره في قصائده لم يتأثر بتقدمه في السن، وأن معين العاطفة عنده لا ينضب بل يزداد قوة وتدفقًا واندفاعًا، بل إني وجدت قوة في التدفق الشعوري في بعض قصائده الأخيرة يفوق في حرارته بعض قصائد شبابه. والسبب في ذلك في رأيي أن التجربة الشعرية عنده مرتبطة ارتباطًا حميمًا بالتجربة الشعورية. ولهذا لن نجد في شعر هذا الشاعر الكثير من النظم، بل الكثير من التدفق، لأنه لا يُقدِم على التجربة الشعرية إلا إذا اكتملت ملامح التجربة الشعورية في وجدانه، فتتدفق القصيدة في سهولة ويسر. وهذا ما جعلني أتصور عبدالعزيز خوجة كفارس ماهر ما أن يُمسك بلجام فرسه حتى تنداح أمامه القوافي طائعة.. !
ذهب السفير وبقي الشاعر:
غادر د.عبدالعزيز خوجة لبنان سفيرًا ولكنه بقي فيها شاعرًا، بقي سحابة فوق بيروت تمطرها حبًا مع ارتفاع كل أذان، وذكرى جميلة في قلوب أهلها يتردد صداها مع قرع الأجراس في كل كنيسة. ولا شك أن بيروت بادلت الشاعر السفير حبًا بحب، ليس لأنه سفير فما أكثر السفراء الذين دخلوا بيروت وخرجوا منها كأنهم لم يدخلوها، بل لأن السفير الشاعر لامس قلوب الناس في لبنان بإنسانيته فأحبوه مثلما أحبوا البلاد المقدسة التي جاء منها، وأحيا ليالي بيروت بشعره فأضاءت، وفاض من هذا الشعر صدق مشاعره فانسكب في قلوب الناس حبًا، وإعجابًا، وشوقًا إليه لم ينقطع خلال سنوات غيابه.
مشاعر الخوف من الاحتراق:
أحب عبدالعزيز خوجة لبنان حتى أصبح حب لبنان تجربة شعورية ثرية أعدُّها وسامًا على صدر مجموعته الشعرية الكاملة. وقد أعادتني قصيدته الأخيرة «حبيبتي بين الركام» بعد حادث اشتعال مرفأ بيروت المأساوي إلى مراجعة شعره في لبنان، فوجدته سلسلة متصلة من المشاعر التي لا يفيض بها إلا قلب محب صادق في حبه. والعجيب أنه في كل قصائده عن لبنان يعبِّر عن «خوفه» على لبنان، وعن «قلقه» من أن يُصاب لبنان بأذى، وبقلب المحب الذي يستشعر الآتي نجد كلمات «الاحتراق» و»النار» وغيرهما من كلمات التحذير من الغرق تتسلل إلى قصائده اللبنانية.
هذه قصيدة «حنَّ إلى الغرق..!» يقول فيها معبرًا عن احتراق قلبه شوقًا إلى لبنان وخوفًا عليه:
قلبي الذي يصبو إليك قد احترق
أهوى به طيف الهوى لما طرق
ويرتبط حب لبنان في شعر عبدالعزيز خوجة بالقلق والخوف عليه، ويقوده هذا القلق والخوف إلى حنين جارف للبنان، فيتحول إلى مغامر يُعرِضه شوقه لمحبوبه للخطر فلا يبالي حتى لو أدى ذلك إلى الغرق:
والوجد ما أحلاه.. ما أحلى القلق..!
فالليل في هدبيك يهفو للأرق.. !
قيدتُ قلبي في الهوى لكن خفق
لما رأى بحريك حن للغرق..!!
مقطوعة رائعة لبيروت:
في قصيدة «تحية عاشق» يُعبِّرُ عبدالعزيز خوجة عن نوع فريد من الحب للبنان، إذ نراه يسمو بهذا الحب حتى يرفعه عن أدران الأرض إلى سماء الطهر والنقاء فيصبح لبنان جنة في عالم الشاعر تتحول إناثها إلى حور:
ما إن دخلنا جنة نصبو لها
(لبنان) حتى عانقتنا الحور
ثم يعزز هذا التميز الذي خص به لبنان فيقول في هذا التأكيد الاستفهامي:
لبنان يا أصل الجمال ونبعه
أتُرى لحسنك في الوجود نظير؟!
ثم نجده يعزف مقطوعة لرائعة لبيروت في قصيدة «قلب بيروت حجر» برغم الحب وسكناه في قلب بيروت التي يحبها وتحبه، فإنه يقلق قلق الراهب في معبد الحب من فقدان محبوبه، أو خوفًا من إصابة محبوبه بشر أو خطر فنجده يهتف بانكسار:
يناديني من الغيب خطر.. !
هات فنجاني ودعني أرشف الذكرى معك
فغدا يا نور عيني ربما لن أُبصرك..!!
ثم يردد: عشق بيروت قدر..
إنه الشاعر العاشق الذي يعيش في خوف من أن يفقد بيروت ومن أن يصيبها أذى أو خطر لأنه أعرف الناس بالأشرار من أبنائها الذين يتربصون بها جهلاً وسفهًا.
الأمل الذي لا يموت:
أما قصيدة «لبنان عُد أملا» فمن يقرأها يحسب أن الشاعر كتبها أثناء اشتعال ميناء بيروت بالنيران، وهذا الفرق بين الشعر والتاريخ، فالتاريخ يُكتب لزمان معين وحدث معين مضى، أما الشاعر فيكتب مشاعره تجاه حدث معين بمشاعر تصلح لكل زمان ومكان، لهذا قال أرسطو قديمًا «إن الشعر أعظم من الفلسفة وأصدق من التاريخ».
وللشاعر منهج في قصائده الحزينة إنه لا يظل طوال القصيدة يعزف على أوتار الأسى، ويبكي على الأطلال، بل يبدأ بتذكر مواطن القوة في لحظات الضعف، ليشحذ الهمم، ويرفع الروح المعنوية، وهذا ما نجده في قصيدة «لبنان عد أملا» التي كتبها في لحظة انكسار في لبنان إذ يقول:
لبنان يا أملا ما زلت موئلهُ
لبنان يا شامخ الهامات يا بطلُ
وقد استخدم الشاعر كلمة «ما زلت» ليحشد بها مشاعر الروح المعنوية، في دفقة شعورية قوية ليؤكد أن لبنان لم ولن ينكسر. ثم يدخل إلى موضوعه ويشير بإصبع الاتهام للعاقين من أبناء لبنان:
لبنان من عتبي لأنني دنف
أشكو رجالك والنيران تشتعل.. !
ألا يتبادر إلى الذهن أن الحديث هنا عن النيران التي تسبب في أشعالها في مرفأ رجال عقوا وطنهم. لله درك أيها الشاعر.. ها أنت تستشرف أحزان لبنان، وكأنك تتحدث عن احتراق المرفأ، ولم تنس وأنت تصف الانكسار أن تُذكِّر شعب لبنان بشموخه:
هذي هي الأرزة الشماء دامعةُ
هذا هو الجبل العملاق ينفعلُ
وروعة الصورة الشعرية هنا التي ترسمها مشاعر عبدالعزيز خوجة أن نجد الشموخ في الأرزة الشماء رغم الدموع، وأن يظل الجبل عملاقًا رغم انفعاله وانكساره.. !
ثم نشاهد وصفه لثورة الغضب على الفساد الذي أكل أرزاق الجياع في لبنان قبل أن تحدث بسنوات ليؤكد أن الشعر الصادق هو استشراف للمستقبل ليبشر أو يحذر. وعبدالعزيز خوجة هنا يصف ما حدث:
هذا هو السهل في أكنافه نضبت
أرزاق خلق وقد ضاقت بهم سبلُ
ولا أعتقد أن هناك وصفًا يمكن أن يختزل ببراعة أسباب الثورة في لبنان أكثر من هذين البيتين:
هذا هو السهل في أكنافه نضبت
أرزاق خلق وقد ضاقت بهم سُبل
هذا هو البحر هدار ومن قلق
يرنو إلى القمة الفرعاء يبتهل
صورة شعرية صادقة لسنابل يابسات في سهل لبنان الأخضر بعد أن أكلها لصوص النظام الفاسد الذي ضاقت به صدور شعب لبنان وأرزاقهم، فخرجوا في ثورة عارمة لا تُبقي ولا تذر، وهكذا تفعل الشعوب عندما تغضب. ثم يصور «قلق» البحر الذي «يهدر» غاضبًا كأنه يعرف ما سيحدث له عند انفجار المرفأ. ثم يرسم لنا صورة شعرية رائعة حين نرى «القمة الفرعاء» ترنو مبتهلة في صلاة وخشوع أن يحمي الله لبنان، ويجنبها شرور الأشقياء من أبنائه.. وهذا وما حدث بالفعل.
الخوف والتحذير من النار:
ثم يقدم عبدالعزيز خوجة معادلة شعورية بين «الحب» الذي يسبب الأرق و»الخوف» والخوف من «نار» قادمة يحذر منها الشاعر بقوله:
لبنان في قلبنا «نار» تؤرقنا
«خوفا» على بلد قد عزه الأزلُ
وكأنه يصف الحقيقة المهولة التي نشأت عن حريق المرفأ والكارثة التي ترتبت على الأرض والإنسان في لبنان، فأضافت إلى آلام اللبناني ومعاناته الاقتصادية معاناة أخرى وحزنًا آخر.. هذا هو عبدالعزيز خوجة يصور الحقيقة الوجدانية المهولة كأن لبنان قد خلت من الأرض التي احترقت قهرًا، والناس عن لبنان الجميل قد رحلوا من جراء الظلم والقهر والفساد.. وجفت منابع الثقافة وخبا النور الذي كان يشع من لبنان وحل الظلام:
كأن لبنان لا أرض ولا نسب
وأهل لبنان من لبنان قد رحلوا
أين الثقافة هل جفت منابعها
أين النُهى؟ نوره ضاءت به الدولُ..!
ولكن الشاعر الذي ينطلق من ضمير أمته لا يُبقي الصورة القاتمة جاثمة على وجدان الناس، بل يرتفع فوقها يبشر بالأمل المعقود على لبنان.. الأمل هو الدواء الذي يندمل به الجرح:
جرح على الأمل المكسور ينحرني
لبنان عُد أملا فالجرح يندملُ
ثم يضع عبدالعزيز خوجة النقاط على الحروف، ويتحدث عن الحل الذي تندمل به كل جراح لبنان اليوم وغدًا، وفي أي ومكان آخر.. الوحدة الوطنية والولاء للبنان أولاً هو الدواء الذي يندمل به الجرح. وينهيها بتجديد حبه وعهده ووفائه للبنان الحبيب:
يا ساسة البلد المستنجد اتحدوا
هذي بلادكم والسهل والجبلُ
لبنان إني على عهدي رفيق هوى
مهما يطل بُعدنا فالجمع يشتملُ
وقفة تأمل في «حبيتي فوق الركام»:
بعد هذا كله لا عجب أن يكون عبدالعزيز خوجة أول من يهتز وجدانه للحدث الرهيب الذي أيقظ بنيرانه جذوة حب لبنان الذي لم يخبو ولم ينطفئ في قلبه. ولهذا كان أول من تأثر من الشعراء بما حدث لبيروت، فولدت من بين ألسنة اللهب قصيدة «حبيبتي بين الركام» التي نشرت يوم 7-8-2020م فجعلنا نحس أن قلبه يحترق، ولكن قلب الشاعر عندما يحترق لا تصاعد منه نار ولا دخان، وإنما بخور يملأ الجو عطرًا وأملاً ووعدًا. ليؤكد أن الله مع لبنان الحب والإنسانية والسلام، وأن ما احترق في اشتعال ميناء بيروت كان «أحلام اللئام»، ومخططاتهم الإجرامية لهذا جاءت قصيدته «حبيبتي بين الركام» لتبشر بالأمل في لبنان الذي تحدث عنه الشاعر في كل قصائده.
وليس شرطًا أن يكون التجاوب الوجداني مع الحدث بكاء على الأطلال، وعزاء في الخسائر البشرية والمادية، فليس هذا هو الأسلوب الذي اعتدناه من عبدالعزيز خوجة في تعبيره الوجداني عن حبه للبنان في كل قصائده التي تحدثنا عنها. لهذا كانت المفاجأة أن ظهرت القصيدة، وكأنها تغزل في بيروت أكثر منها بكاء، أو كأنها غزل في امرأه تحترق!. وقد استدعى هذا التصوير إلى ذهني مقالاً لمصطفى صادق الرافعي -رحمة الله عليه- أثار ضجة في حينه بعنوان «في اللهب ولا تحترق».. فرأيت أن عنوان هذا المقال ينطبق على بيروت التي صورها لنا وجدان عبدالعزيز خوجة، وعلى المشاعر التي فاض بها في قصيدته، ولو كنت سأضع عنوانًا لهذه القصيدة لوضعت لها عنوان» في اللهب ولا تحترق».. !!
هذه هي بيروت عبدالعزيز خوجة في قصيدته التي أخرجها لنا في مقطعين ظهرا كأنهما مقطوعتين أو لوحتين على شكل حوار بينه وبين بيروت الجريحة بالحروق، يسبق هذا الحوار بوصف حال بيروت بين الركام وتحت الحطام:
وبحثتُ عن بيروتَ ما بينَ التوَلُّهِ والرّكامْ
وسمعتُ أنّاتٍ تُنادي لهفتي تحتَ الحُطامْ
ورأيتُها غضبانة نَظرتْ ولمْ تُلْقِ السّلامْ
وبعد هذا تتحدث بيروت إليه، وبهذا الحديث ينتهي مشهد لوحة المقطوعة الأولى من القصيدة:
قالت أتبحثُ عن غرامٍ ويلَهُ ضاعَ الغرامْ
ضاع الذي قد كان في دنياكَ حُلْماً لا يُضامْ
ضاع الّذي قد كان يَسقيكَ المَودَّة والهُيامْ
بيروتُ قد سُرقَتْ وباعوها لِأحلام اللِّئامْ
ونفهم من هذا الكلام أن بيروت رغم وجودها في اللهب تعرفت عاشقها الشاعر، وظنت أنه جاء ليساقيها الغرام، وأجمل ما قالته إنها وصفت حبها لها بأنه «حلم لا يُضام» بقولها: «ضاع الّذي قد كان في دنياكَ حُلْماً لا يُضامْ». ونجد هنا أن بيروت تكرر الحديث عن «الحلم» مرة ثانية، ولكن بصورة مختلفة حين تقول في آخر كلامها: «بيروتُ قد سُرقَتْ وباعوها لِأحلام اللِّئامْ»، فنجد بالتوازي صورتين صورة «حلم عبدالعزيز خوجة» الذي لا يُضام و»حلم اللئام» الذين أرادوا بيع بيروت. وهنا يأتي سؤال: كيف يتجاوب الشاعر العاشق مع هذا اليأس الذي وجده في كلام معشوقته؟ هل يزيدها حزنًا ببكائه على أطلالها، ونعيه..؟! فلننظر ما قال لها في لوحة المقطوعة الثانية للقصيدة..
في اللهب ولا تحترق:
في اللوحة الثانية التي لا يمكن أن يفهمها من يقرأ القصيدة قراءة سريعة، إذ إنه ليس من الحب ولا من المروءة ولا من الوفاء أن يبكي الشاعر على الأطلال بعد أن سمع من بيروت المجروحة بالحريق ذلك الكلام. لا بد أن يؤكد لها أنها لازلت، وستظل جميلة رغم الحريق، وأنه لم ولن يستطيع أحد سرقتها وبيعها لأحلام اللئام:
أوّاهُ يا بيروتُ يا أحلى نساءِ العالمينْ
يا ليلتي المُثلى وتَوقي في مساءِ الحالِمينْ
وروانة تسقي صبابَتُها ليالي العاشقينْ
إن بيروت الجميلة أبداً في نظر الشاعر تقع في اللهب ولا تحترق، وهو لا يقول ذلك الغزل عن مجاملة أو رفع لمعنويات سيدة جميلة تعرضت لحريق بل يقول ذلك صادقًا لأنه بالفعل يحبها، فلن يكفكف دموعها بالبكاء إلى جانبها، بل تجعلنا هذه اللوحة الشعرية التي تصور لنا وجدانيًا ركون الشاعر إلى جنب حبيبته مكفكفًا دموعها بما يذكرها بأجمل صفاتها، لتنهض قوية وتعود أروع مما كانت، لهذا نجده يقول لها:
بيروتُ يا هبة الإلهِ على المدى طولَ السِنينْ
أمّا سهامُكِ في النَّوى سِرُّ الجَوى للهائمينْ
منها تعلّمتُ الهوى وفَككتُ طِلْسَمَهُ الدّفينْ
عِشقي هنا المخبوءُ والمفضوحُ تُوِّجَ باليقينْ
عودي لنا بيروتُ إنّا قدْ حُرِقْنا بالحنينْ..!
هكذا يذكر الشاعر بيروت بأنها «هبة الإله» وأنها «سِرُّ الجَوى للهائمينْ» وأنه تعلم منها «الهوى»، وأن عشقه لها «يقين» لا شك فيه، ولهذا يريدها أن تنهض من كبوتها، وترتفع فوق آلامها، «تعود» فنيران الحريق التي أصابتها، قد خمدت ولكن نيران الحنين إليها ستظل مشتعلة بحبها لا تخبو ولا تموت..!
وبعد.. فأي موقف أجمل وأروع وأقرب للحب والوفاء: هذا الذي وقفه الشاعر مع معشوقته وهل يُلام عاشق مثله في موقفه هذا منها؟! أم نطلب منه بدلاً عن موقفه هذا أن يذرف الدموع ويلطم الخدود ويبكي على الاطلال ويدبج عبارات قصيدته بكلمات الحزن والعزاء؟!
والخلاصة أن شعر عبدالعزيز خوجة في عمومه لا يخرج عن هذا الصنف الإيجابي من الحب، الحب الذي يزرع حدائق الأمل، ويبشر بالمستقبل، وينشر النور في حياة من يحب. ولهذا رأينا قصائده عن لبنان سحابًا يمطر حبًا يزرع على الأرض الأمل، وشمسًا تشرق بالنور الذي لا ينطفئ، قلب مفعم بالخير الذي يجعل السنابل اليابسات خضرًا. ولا نملك هنا إلا أن نقرر أن فهم شعر عبدالعزيز خوجة والاستمتاع بصوره الشعرية ومعرفة مراميها تحتاج إلى الإبحار في أعماق وجدانه بمهارة وصبر لاستخراج لآلئه للناس، وذلك عن طريق القراءة الواعية بذائقة جمالية لا تحكم على الصور الشعرية من ظاهرها، وإنما تتأملها لتجد فيها ما لا يجده من يقرأها مرة واحدة..!