محمد عبد الرزاق القشعمي
سمعت به عندما ما كان رئيساً لقسم اللغة العربية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، وعضو مجلس إدارة النادي الأدبي بجدة. وكان مكان احترام وتقدير وثناء زملائه بالجامعة والنادي. وفي سنوات مرضه، وقبل وفاته، التقيت الدكتور أبا بكر باقادر بمدينة الأمير سلطان للخدمات الإنسانية بالرياض، وقال إنه جاء لزيارة زميله بالجامعة الشيخ عبد الهادي الفضلي الذي يعالَج في مبنى آخر من المدينة، فرافقته. وعند الاستئذان للدخول إليه وجدنا أحد أبنائه بالباب فرحّب بنا، وشكرنا، وطلب منا عدم إزعاجه لشدة مرضه، وأنه شبه نائم.
أعادني إلى ذكره الدكتور عبدالمحسن القحطاني الذي ذكره في سيرته الذاتية (بين منزلتين)ج2 الذي اختار جامعة الملك عبد العزيز بعد حصوله على الدكتوراه. قال : «.. وحين تسلم [ القحطاني] عمله أستاذاً في كلية الآداب كان فرحاً بهذا التمازج الثقافي في مدينة تقبل ذلك. لم يكن للطائفية فيها مكان، ولا للعنصرية وجود، ولا للإقليمية متسع من الفكر. كان هم الجامعة أن تمزج ذلك كله، واستمر الحال سنين كثيرة. وهناك مثال حيُّ جلي، بل هو صارخ الآن، هو أن رئيس قسم اللغة العربية عُين بالانتخاب.. انتخبه زملاؤه رئيساً عليهم، وهو شيعي، بل يعد مرجعاً من مراجع الشيعة ، ولم تكن هناك لغة خفية تدار ضده؛ لأن توحيد هذا الوطن ألغى التمايز..».
حرصتُ على الكتابة عنه ضمن (أعلام في الظل) فبحثت عن ترجمته في (قاموس الأدب والأدباء) في المملكة الذي أصدرته الدارة فلم أجد له أثراً. وجدت له ترجمة مختصرة في (موسوعة الشخصيات السعودية) الصادرة عن مؤسسة عكاظ للصحافة والنشر. وفي (موسوعة الأدباء والكتّاب السعوديين خلال مائة عام) لأحمد سعيد بن سلم. وقد ذُكر فيهما أن مولده في الأحساء، بينما ترجم له باستفاضة هاشم محمد الشخص في (أعلام هجر من الماضين والمعاصرين)ج2، قائلاً إنه من مواليد قرية (صبخة العرب) بمدينة البصرة بالعراق. فاتصلت بابنه جواد لأستوضح منه أيهما أصح عن مكان الولادة، فأكد أنها البصرة، فطلبت منه تزويدي بسيرة مختصرة عنه، فقال إنهم بصدد طبع مجموعة بحوثه ورسائله وكتبه في (48) مجلدًا، فقلت له (يكفيني من القلادة ما أحاط بالعنق) كما يقال، فقال إنه سيبعث لي بنسخة من مجلد (الموسم 107)، وفعلا وصلت، وإذا هي موسوعة فصلية، تُعنى بالآثار والتراث، تصدرها أكاديمية الكوفة في هولندا، وصاحبها محمد سعيد الطريحي، وهذا العدد مخصص للدكتور عبد الهادي الفضلي.. رؤى في فكره وانجازاته، 1436هـ/ 2015م.
وجدت الموسوعة بـ 832 صفحة، وتضم سيرته ومسيرته، وشهادات معاصريه وزملائه وتلامذته. عدت إلى ما سبق الإشارة إليه فوجدت ابن سلم يقول عنه: ولد في الأحساء، حصل على الماجستير، ثم حصل على الدكتوراه في النحو والصرف والعروض عام 1396هـ من جامعة الأزهر. أستاذ مشارك ورئيس قسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة الملك عبد العزيز، عضو الرابطة الأدبية بالعراق وعضو نادي جدة الأدبي. مع استعراض لعشرة من كتبه.
أما موسوعة عكاظ فذكرت علاوة لما ذكره ابن سلم أنه تولى رئاسة تحرير مجلة الرائد التي كانت تصدر بالكلية، وأنه تقاعد من جامعة الملك عبد العزيز عام 1409هـ/ 1989م، وله أكثر من 31 كتابًا مطبوعًا في مجال تخصصه، وهو أستاذ المنطق وأصول البحث بالجامعة العالمية للعلوم الإسلامية بلندن.
أما الشخص في (أعلام هجر) فقد قال: «هو الدكتور الشيخ عبد الهادي بن الشيخ ميرزا محسن بن الشيخ سلطان بن محمد آل عباد العلي الفضلي. من مشاهير علمائنا المعاصرين، ووالده من كبار العلماء». وقال إنهم قدموا من (ملهم) بنجد، واستوطنوا (العمران) بالأحساء عام 1050هـ. وقال إنه نشأ بالبصرة نشأة علمية دينية عالية.. فقرأ على والده بعض كتب النحو والصرف والمنطق والبلاغة، وفي سنة 1368هـ التحق بـ (النجف الأشراف) لإكمال دراسته وعمره 14 عاماً. وفي عام 1391هـ غادر النجف إلى مدينة (جدة) حيث عُيّن مدرساً لمادتَي النحو والصرف في (جامعة الملك عبد العزيز). بعد سنتين ابتُعث من قبل الجامعة إلى كلية الآداب بجامعة القاهرة. حصل على الدكتوراه في اللغة العربية سنة 1396هـ. استمر مدرساً بالجامعة حتى تقاعده سنة 1409هـ. وكان له في النجف وجدة نشاطات ومشاركات علمية وأدبية كثيرة.
وقال إنه عضو في النادي الأدبي الثقافي بجدة, وهو الرئيس الأول والمؤسس لقسم اللغة العربية والعضو الدائم في لجنة المخطوطات بمكتبة الجامعة، وشارك في مناقشة بعض الرسائل الجامعية للدراسات العليا، وكان له الإشراف على بعضها، واختير خبيراً مُحكماً لجملة من أبحاث الترقيات. أقام بعد تقاعده بالدمام، وبدأ نشاطه الثقافي والديني في المنطقة بشكل عام وملحوظ.
وقد ذكر له 38 مؤلفاً، وقال: تمتاز مؤلفاته بالمنهجية الرائعة والاختصار المفيد؛ وهذا ما جعل بعض مؤلفاته - مثل (خلاصة المنطق) و(مختصر الصرف) و(مبادئ أصول الفقه) يُدرّس في الحوزات العلمية وبعض الجامعات.
كما ذكر عناوين البحوث التي كتبها وحققها والمجلات التي كتب بها، واختتم ترجمته البالغة 18 صفحة بمختارات من شعره.
وذكر في (ويكيبيديا): جمع الدكتور الفضلي بين الدراسة التقليدية الحوزوية والدراسة الأكاديمية المنظمة، فكان مستحقاً للقب (آية الله) الذي يعتبر من أعلى الدرجات العلمية في عرف الحوزات العلمية.
وقالت إنه حصل على الدكتوراه من كلية دار العلوم بجامعة القاهرة في اللغة العربية في النحو والصرف والعروض بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، وكان موضوع وعنوان رسالته (قراءة ابن كثير وأثرها في الدراسات النحوية).
- قال عنه محمد سعيد الطريحي في مقدمة (الموسم - 107): «... تمرس العلامة الفضلي في التدريس وتربية الأجيال من كلية العلم مستفيداً من كنوز علميته الجامعة في الفقه والعلوم التقليدية التي أتقنها في حوزة النجف، إضافة إلى تجربته الفنية متعددة الآفاق والأبعاد، واطلاعه على الفنون والآداب الأخرى التي شدا منها حتى أصبح موسوعياً في ثقافته العامة..». إلى أن قال: «.. وقد عُرف في المملكة أستاذاً كبيراً، وكاتباً مرموقاً، ومحققاً ثبتاً، داعياً إلى سبيل الحق، ومساهماً لإنهاض العربية وعلاج مشكلاتها، وإخراج الأصيل من التراث، وكان هناك كما كان في كل مكان يحله موضع ثقة الجميع، دائب الجهد والنشاط لخدمة العلم وأهله، حتى أصيب بالداء العضال، وانتقاله إلى دار الخلود..». قال عنه المرجع الديني محمد باقر الصدر: «إن أمثالكم ممن يرفع الرأس عالياً، ويشكل رقماً من الأرقام الحية على عظمة هذه الحوزة..». وقال المرجع الديني السيد محمد حسين فضل الله: «إننا نرى في سماحة الشيخ الفضلي عالماً إسلامياً حركياً في عقله، منفتحاً على عصره، ثرياً في ثقافته مجتهداً في اجتهاداته، مما جعله من الرموز الإسلامية العلمية المثقفة التي أعطت للأمة الكثير».