د. فهد بن علي العليان
فاجأني الصديق الدكتور أحمد أبانمي -وهو عمدة وعميد وأحد أبرز رجالات المرور في مملكتنا- حين قال «لأول مرة أزور محافظة الغاط، ولم أكن أتوقع أنها بهذا الجمال والأناقة»! مفاجأتي لأنني على تواصل مع هذه المدينة منذ ما يزيد على أربعة عقود؛ حيث كنا نمر بها سنين عديدة ونحن في طريقنا إلى القصيم ذهاباً وإياباً قبل إنشاء الطريق السريع، ثم إني زرتها مراراً مع صديقي (أخي الذي لم تلده أمي) عبدالرحمن بن أحمد العمر، وهو أحد أبرز الذين يحببونك ويرغبونك في مدينته ودار أهله وأجداده.
أما الزيارة الأخيرة، فإن صديقنا (عبدالله بن علي السعدون) كان يجدد من وقت لآخر دعوته لزيارة مدينته ومسقط رأسه، ويعتذر الأصدقاء لضيق الوقت وانشغالاتهم المتعددة، ومع إصراره كان موعد زيارة الغاط يومي الجمعة والسبت 24- 25 من ذي الحجة 1441هـ، فانطلقنا مساء الخميس لنبقى تلك الليلة بضيافة الصديق (هبدان الهبدان) باستراحته في المجمعة، ثم انتقلنا بعد وجبة غداء ظهر يوم الجمعة لنستقر في الغاط ويكتمل عقد الأصدقاء؛ لنكون جميعاً بضيافة صديقين من أهل محافظة الغاط هما (عبدالله السعدون وعبدالرحمن العمر) اللذان أكرمانا واحتفيا بنا وأطلعانا على معالم المدينة الصغيرة الكبيرة.
وهنا، تعود بي الذكريات إلى ما قبل ثلاثين عاماً أو أكثر بقليل حين زرت الغاط لأول مرة في حياتي ثم تتابعت الزيارات إلى هذا اليوم، كانت تلك الزيارة بداية للتعرف على بعض الأصدقاء والزملاء في الغاط، وسبب الزيارة هو للعب مباراة كرة قدم ضد شباب نادي الحمادة، الذين كانوا يستعدون لبداية الموسم الرياضي من خلال لعب مباريات تجريبية كانت إحداها مع أحد فرق حواري الرياض، فانطلق أعضاء (فريقنا) -فريق نجد- نمتطي عدداً من السيارات ونحن في شوق ورهبة من اللعب على ملعب زراعي لأول مرة ضد نادٍ معه مدرب ولاعبون متميزون، فكان لا بد من الدخول ولعب المباراة بكل طاقتنا، وكان ما سعينا إليه إذ انتهت المباراة بفوز فريقنا 3/ 1 مقابل شباب فريق نادي الحمادة.
بعد المباراة استضافنا رجالات النادي وأكرمونا بمأدبة عشاء ثم هيأوا معسكر النادي للمبيت تلك الليلة في كرم ولطف لا ننساه من نائب رئيس النادي -ذلك الوقت- الأستاذ ناصر الوهيب (أبو محمد) الذي يعد أنموذجاً رائعاً للرجل المسؤول والإداري المحنك، وفي تلك الليلة اجتمع بنا ومعنا مدرب النادي ليعرضوا علينا التسجيل رسمياً في النادي لننضم إلى قائمة لاعبيه في درجة الشباب والفريق الأول، ووقع الاختيار على ستة من الزملاء كنت أحدهم، فابتدأت علاقة حميمة وجميلة لعدة سنوات نتدرب في الرياض ونذهب للغاط للعب المباريات الرسمية على ملعب النادي أو في ملاعب الأندية المجاورة، فاستمر الحال على ذلك أسافر إلى الغاط وأعود منها بصحبة صديق الطفولة (ماجد البنيان) حيث كان عمرنا يسمح لنا باللعب في درجة الشباب والفريق الأول. انتهت تلك السنوات بكل تفاصيلها الجميلة وذكرياتها الباقية.
تتابعت معرفتي بكثير من الفضلاء الذين أسعد بهم ومعهم من مدينة الغاط، تزاملت مع بعضهم في العمل والذهاب والإياب، فأعتز كثيراً بصحبة أبي زياد (الدكتور منيع المنيع) الذي زرته أكثر من مرة في استراحة مزرعته العامرة في الغاط، كما سعدت برحلة علمية عملية أثناء عملي في جامعة الإمام مع (الدكتور زيد الزيد) -وفقه الله-، وهو أنموذج رائع للإداري الهادئ المتواضع، ولا بد أن أذكر أنني استفدت من شخصية رائعة في المجال الإنساني والثقافي والاجتماعي وأعني بذلك اللواء (عبدالله السعدون)، حيث يعد أبو نايف من القدوات الملهمة لمن بعده في الحرص على القراءة والاطلاع والعمل الإنساني في مجالات كثيرة.
واليوم، أعود للكتابة عن الزيارة الأخيرة التي وجدنا فيها المدينة وقد تطورت كثيراً، حيث كان الجدول خلال اليومين مزدحماً بالاطلاع على كثير مما تحويه المدينة الهادئة الضاجة، فلا يمكن للزائر أن يتجاوز زيارة مكتبة الرحمانية ليجد متعته وأنسه فيها وهي تفتح أبوابها لمرتاديها، حيث القراءة والدورات والندوات المتنوعة، وقد سعدت قبل سنوات قليلة بتقديم محاضرة عن (القراءة) في قاعتها الأنيقة، ومن المفارقات اللطيفة أن جميع الزملاء -حتى الذين لم يكونوا راغبين- استمتعوا بالزيارة والاطلاع على محتوياتها ثم الصلاة في مسجدها. مررنا خلال هذه الزيارة على معالم كثيرة ما بين القديم والحديث، وكان الختام في محمية الطيور التي لم أكن أتصور وجودها بهذا الشكل الجميل المتواضع الأنيق.
لا يتسع المقام للحديث عن تفاصيل الزيارة، لكنني أقول: قضينا يومين سريعين اجتمعنا فيهما مع رفاق العمر، بضيافة اثنين عملا كل شيء، ليكون كل شيء على أفضل حال، فشكراً لكل شيء.
الكرم.. أفعال