كنتُ قبل اليوم ببضعة أيام أُدوِّن في كم هي العثرات حنونة وكم نحن طُغاة نبتاع جبالًا نُعلق على قممها مبررات دوافعنا الشريرة أو الحمقاء في تعبير أرق لجناية.. أيدينا الناشفة التي تحفر خنادقًا ترافقنا في رحلة السقوط بها «لعنة المعرفة».
كم من ظلام فقد خصوصيته وكشف أمرًا وددتَ ألف مرة لو قبضتَ على سذاجتك قبل أن ينقر الفضول ناصيتك وتبسطها.
كتبتُ في ليلٍ يشبه ليالي كثيرة يجالسنا فيه الأرق وفرط التفكير بما لا نقوى أن نغيره في أنفسنا: أن تسمح لتيار الحياة أن يعبرك دون أن تغرق خجلًا من عثرةٍ لوت كاحلك أيامًا واستقامت بعدها، أو أن تطفو متعالٍ عن عثرات غيرك التي لوت كواحلهم وأقعدتهم أيامًا استقاموا بعدها وعبّدوا طُرقًا لم تطأها قدمك بعد. أن تمتد يدك تُربت على كتف عاديتك، أن تشدّ على ساعديْ المحاولة لكرّةٍ أخرى ومراتٍ أُخر دون أن يطالها سياطُ اللوم والتأنيب يجرّدانها من رداء السعي لإيجاد كينونتها. لم تكن الأخطاء يومًا وحلًا تغرق في أعماقه أقدامنا فنستخرجها لنتفقد سلامة أحذيتنا الثمينة، أخطاؤنا وأعتقد أنها ليست سوى نوايانا الساذجة؛ إذ ليست كيانًا منفصلًا عنا يُشار إليه بتجريد عن اختياراتنا، لكنه النفق الذي ظننا أن النور في الداخل جاهز ليتصدى لظلمته وتفاجأنا بمنتصف الطريق أننا لسنا مستعدين بعد. وأظن أنني أميَل لأن أعتبر الأخطاء مراحل تكوين رقيبنا الذاتي؛ مجموع ما ارتكبناه ألبس داخلنا بدلة الرقيب ومنحه صوتًا لحوحًا يمنع فكرةً أوغلت في التدبر وأوشكت أن تزج صدرًا إلى ظُلماتٍ لا يقوى عليها. وهي نفسها -الأخطاء- مآزقنا الكُبرى حين عقدت قرانها على اختياراتنا التي لم نقرأ عنها مقدمةً بعد، فصار ما تبقى من الفصول محاولة لإيجاد السبيل الأوفر لدفع ثمن ما أنجبته التجربة في لحظة عشم. الأخطاء التي اعتدنا تقديمها للآخرين على طبق -لا تكرر خطأي- كأنها ابن غير شرعي نحاول أن نحذر الناس من وصمته لا من التجربة نفسها.
«الحياة» حيز الزمن الذي لا ندرك سعة مساحته بعد، لكننا لا ننفك نتجرأ على المحاولة، نقتحم أبوابًا ما أُغلقت عبثًا لتأتينا الحقيقة بأرديتها المختلفة من وراء حجاب على ما لا نهوى فتهوى الآمال!
انتهيتُ اليوم إلى سؤال: هل الخطأ نية ساذجة تستحق أن نحنو عليها ونعطف، أم أن الخطأ يد دوافع الآخرين تعصر عُنق الفضول لتقضي ما تبقى لك من حيز زمني تشرح لآخرين وعورة الطريق الذي ملأته آثار خطواتك المتعثرة ونجحت باجتيازه مُرغمًا بفعل الوقت لا فخرًا بذلك!
** **
- هياء عبد العزيز الزومان