وجهها الناطق بكل تعابير الفرح يسكن مخيلة كل من قابلها كل من تعرف عليها كل من عاشرها كل من جمعته الصدفة بها يوماً فلم تكن تلك الساعات معها سوى دقائق معدودة لشدة جمالها وامتلاء تفاصيلها بالضحكات والمرح، تفاصيل شخصيتها المرحة تغلف بإحكام كل منافذ الألم بداخلها فلا يخرج من بين أنفاسها تأوهات أو تعابير عن مدى الألم النفسي والبدني الذي لازمها مؤخراً.
(دليلة) أو خالتي دليلة كما يناديها الجميع شخصية غريبة نادرة، سعادتها هي سعادة الآخرين بل إنها تمتلك قدرة عجيبة على تحويل المجلس الهادئ الكئيب لعاصفة من الضحك والأحاديث الشهية التي لا تتوقف إلا بمغادرتها للمكان، لها كارزما خاصة لايستطيع أحد مهما حاول سحب البساط من تحت قدميها ليتربع عليه والسبب بسيط للغاية يتمثل بأنها تمتلك مشاعر صادقة للجميع تسأل عن أحوال هذه بكل لطف وكأن دمعتها تطل من عينيها لفرط التأثر وما تلبث أن تمسح أحزانها بمواساتها لها بابتسامة تملأ كل ملامحها الطفولية رغم كبر سنها ثم تلتفت على تلك وتهنئها على أمر ما وهي تحتضنها وتغني لها وهي تصفق وتحرك يديها لمن حولها (أرقصن يا بنات) فيتحول المجلس لسعادة وضحكات بينما الصغار يتحلقون حولها وهي تصفق بكل حرارة وتضحك وتوزع عليهم الحلوى ولا تسيطر على نفسها بأن تقوم مع الصبايا لتجاملهن وتتمايل معهن بصوتها المميز المشجع, بكل بساطة هي محبوبة الجميع كبارا وصغارا بلا استثناء لا تميل لهذه مجاملة لهذا أو العكس، الكل يعرف قلبها الأبيض الشفاف فلا يجرؤ على البحث بين ثناياه على حقد أو ضغينة.
وعندما تدعى لمناسبة تتصدر الحضور وتنشر البهجة والطاقة الإيجابية والدعوات الصادقة حولها كالقهوة التي لا يطيب المجلس إلا برائحتها كالعطر الذي يحرك الشهية للحياة، كل النكهات اجتمعت بتلك الإنسانة الجميلة بلا شهادات أو مناصب أو مكانة اجتماعية مرموقة منصب إلهي كمنحة ربانية حرمت من الذرية ومن الحياة الأسرية السعيدة فكانت أم الجميع بمشاعر أم لم تحرم الأمومة قط، احتوت الجميع بآلامهم وأفراحهم وتفهمت مشاعرهم وعاشتها معهم لحظة بلحظة.
ومع رحيل العام المنصرم بآخر يوم من أيامه قامت على عجل وغفلة ولملمت الخالة دليلة بقايا أنفاسها دون أن تتمكن من وداع جميع محبيها فلم تسعفها تلك النبضات الضعيفة والأنفاس المتقطعة لتلوح مودعة كانت فاجعة محبيها ذلك اليوم أن يحتضنوا بأول يوم من العام الهجري الجديد جسداً بارداً وملامح لا تتفاعل كالعادة مع لقائهم بضحكتها المميزة بل بصمت مهول يبتلع كل صرخاتهم ونحيبهم وأنينهم بلا قاع وجهها المضيء بلا روح يشهد وهم يلقون عليه النظرة الأخيرة ويبللونه بدموعهم بما قدمته بسخاء لكل من حولها، فيا رب أحسن ضيافتها بكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين وانزل السكينة على قلوب محبيها وأبنائها التي لم تحملهم أحشائها بل عاطفتها وقلبها الكبير.
رحلت دليلة ولم ترحل ذكرياتها الحاضرة بكل تفاصيلها وسبحان من أعطاها هذا الحب والقبول من أول لقاء وحديث.
** **
- بدرية البليطيح