أيها القرّاء يالبقيّة الباقية من عُشّاق الحروف المُبخّرة.. سأبحر بكم في زوايتي لهذا الأسبوع معتذرا أولا وعاشرا لأني لم ولن أكتب مداعبا بعض سطوري كالعادة هذه المرّة هنا بالذات!
لأني حزين جدا وحروفي تنزف مهرولة إليّ بأطنان الذكريات لفقدي زوجتي الغالية قبل خمسين يوما وثلاث ساعات وثلاثٍ وثلاثين ثانية الآن من فراق حبيبتي #أم_شهاب
هي كتابة نفس وكما يقول إخوتنا اللبنانيون: «فَشّة خِلِق» حسنا سأغوص معكم في نصائح لؤلؤية كما أظن وأعتقد وهذا ثانيا:
- إن غضبت منها يوما ما فانتبه لا تطل الخصام فأعطِها مليار عذر.. نحن الرجال لا نهتم بتفاصيل بيوتنا بحكم طبيعتنا البشرية، هي فقط من تربّي، ترعى، تسهر، تمرّض. فهنّ أول من يستيقظ وآخر من ينام!
- أرجوك.. الآن اذهب وقَبّل زوجتك وراضها.. خذوها نصيحة رجاءً من مجرّب، إذا ظفرت بالزوجة الصالحة فعضّ عليها بالنواجذ حينها تَمْلُك الدنيا وما عليها وجزاؤك هناك في الآخرة.
- احذر أن تصرخ في وجهها، انتبه لكلماتك معها، لا تغضبها، طبطب على كتفيها أكثر، قدّر حالتها النفسية يرحم أمّك اقرأ واستوعب ما أكتبه لك هنا، «دخيلكم» يبقى لكم ما تحبون، رِفْقا بالقوارير أيها الأزواج.
الأمر الثالث، والله العظيم أحبكم أيها القرّاء كثيرا فوق ما تتخيلون أو تتصورون، المهم سأخبركم بِسِرّ لا يعرفه سوى الله ثم زوجتي فكم علمتني حيّة وهي ميّتة أيضاً.
خذوا مثلا لا الحصر طبعا: لقد علمتني يرحمها أن الزوجة هي عِماد البيت، إذا سقط انهار كل شيء!
آخر وجبة اشتهيتها منها هي أكلة أعشقها
«الطماطم» مع بصل وفلفل رومي، تجلس والمرض ينهك جسدها وتخفيه عني، عيناها مغرورقة بالدموع فرحة لأنها تشرّف عليّ وأنا أطبخ.
#مما_علمتني_فيه_أم_شهاب?
كان بيني وبينها، يرحمها الله رحمة واسعة ويسكنها فسيح جناته وجميع موتى المسلمين، هذه الحادثة مستميحاً منها وهي في جنّة الخلد -بإذن الله- ذكرها ومنكم على كل حال:
- عليّه يا حبيبي ليت المرض يتوزّع كان (ختوه)!
- (هويه)! الله يسلمك من كل شر يارب.
- طيب إيش أسوي لك؟
- الصبر والصلاة والدعاء.
** كانت يرحمها الله في آخر الليل تئن كـمصاب بسكين، تكتم أنفاسها ألا تزعجني وأسمعها دائما تقول: الحمد لله.
- تحمدين الله وأنت تصارعين هذا الخبيث؟
- يا علي، الله رحمن رحيم، يكفي أعطاني نعمة النطق باسمه سبحانه.
- طيب وأنا بخير ما أحمد الله!
- صل قيام الليل وادع لي.
وحين بلغ المرض مبلغه، دفعتها بقلبي قبل يديّ على كرسي متحرك، في منتصف الطريق وقبل بوابة دخول المستشفى، استوقفتني:
- علي معليش تعبتك معي.
- دعيني يا عطر أمي أردّ ولو جزءا بسيطا مما تحملتِه في مرض أمي.
- لا مِنّة مني ولا فضل هذا واجب يرحمها الله.
- إذا واجبي يا قرّة عيني، دعيني أفرد لك جناحي وأطير بك.
هي طيّبة القلب، سخية اليد، عفيفة اللسان حنونة المعْشر، تصل البعيد قبل القريب، هي يرحمها الله لجيرانها ودودة، واصلة للرحم والمريض، سائلة عن المسافر، معزية لأهل الميت لم يهدّ قلبي إلا تعزية أحد جيراني حين قال:
- أحسن الله عزاءك أبا شهاب، أم شهاب كانت مذكورة بالخير!
تَمْلك قلبا رحيما.. في شهر العسل جلستُ أسمعها بعض ما كتبته فيها من قصائد، انتبهت فجأة أنها ليست معي.
- حبيبتي تسمعيني إيش قلت لك؟
- شوف يا علي يا حرام هذه البِسْة تدور أمها!
- ذاحين لي ساعة وأنا ألقي عليك ما كتبته فيك من أعلى سطح عمارة الفندق وإنتِ تقولين البسة.. ضحكنا معا وكانت إلى قبل وفاتها يرحمها الله نتذكرها ونمارس الضحكات.
هذا غيث من فيض الوفاء لزوجتي الراحلة العالية والغالية أم شهاب يرحمها الله.
أنا هنا أؤمن بقضاء الله وقدرة، اللهم لا اعترض! لكن لعل هناك من يجرح زوجته، يهينها، يضربها، يمارس معها أشد أنواع وأغلظ الكلام الجارح.. ربما كتابتي هذه تدقّ رأسه الصلف ويرجع لرشده ويقتنع أن الزوجة أمانة بين يديه كالماء العذب الزلال، أرجوكم أيها الأزواج لا تجرحوا الماء كما نصحنا بها الشاعر الجميل أحمد قران!
... ... ...
* كتبه زوج مكلوم لزوجته الوفيّة الراحلة يرحمها الله
** **
- علي الزهراني (السعلي)