منذ أن تواردت إلينا أخبار فيروس كورونا (COVID-19) من مدينة «ووهان» في الصين في شهر يناير 2020، وإعلان منظمة الصحة العالمية أنه المسبب للحالات المرضية التي رُصدت وتنامى ظهورها، حتى تأكد كونه وباءً تتسع رقعته يومًا بعد يوم. ومنذ أن بدأت وسائلنا الإعلامية ووزارة الصحة الحديث عنه حتى يومنا هذا تكررت على أسماعنا ألفاظ معينة، لا يمر خبر رسمي أو تقرير أو تصريح خِـلْـوًا منها، ثم صارت تتردد في حديث العامة حين يتطرقون فيه - وما أكثر ما يتطرقون - إلى هذا الوباء الجديد الذي تسلل إلى رقعتهم الجغرافية، وبدأ تأثيره يزداد في مجريات حياتهم اليومية؛ حتى ترسخت تلك الألفاظ في المعجم اليومي لهم.
ولارتباط هذه الألفاظ الوثيق بالوضع الحاصل عالميًا صار بالإمكان عدّها مصطلحاتٍ لا يمكن الحديث عن الفيروس/ المرض إلا بذكرها أو معظمها. وقد حددت أبرزها لأتناولها في مقالي هذا من جانب لغوي بحت، وذلك برد كل منها إلى دلالته المعجمية، وربطها بالدلالة الحالية، والوقوف عند ما يستوجب التوقف. والألفاظ هي:
(الجائحة - الوباء - المستجد - التعافي - الوفيات - الحظر - الكمامة - المخالطة/ مخالط).
الجائحة:
ترددت عبارة «جائحة كورونا» للدلالة على ما نزل بالعالم من الوباء. وقد جاء تحت مادة (جَحا) في لسان العرب: «جَحَا بالمكان يَجْحُو: أَقام به.
الجَوْحُ: الاستئصال، من الاجْتِياح. جاحَتهم السَّنة جَوحاً وجِياحة وأَجاحَتهم واجتاحَتْهم: استأْصلت أَموالهم... والجَوْحةُ والجائحة: الشدّة والنازلة العظيمة التي تَجتاح المالَ من سَنَةٍ أَو فتنة...
والجائحة المصيبة تحلّ بالرجل في ماله فتَجْتاحُه كُلَّه؛ قال ابن شمل: أَصابتهم جائحة أَي سَنَة شديدة اجتاحت أَموالهم، فلم تَدَعْ لهم وَجاحاً، والوَجاحُ: بقية الشيء من مال أو غيره...
وروى الأَزهري عن الشافعي، قال: جِماعُ الجَوائح كلُّ ما أَذهب الثمرَ أَو بعضَها من أَمر سَماوِيٍّ بغير جناية آدمي... قال إسحاق: وأَصل الجائحة السَّنة الشديدة تجتاح الأموال، وقال أَبو عمرو: الجَوْحُ الهلاك». انتهى.
الملاحظ أن دلالة الكلمة جاءت بمعنى الإقامة في المكان والمكوث فيه طويلاً، وهذا بداهةً يستلزم المكوث الزماني أيضًا، وهذا ما حصل من أمر «كورونا» حين اجتاح المكان الجغرافي وعمّه، وطال مكوثه، وما زال. وكذلك جاءت بمعنى الاستئصال. صحيح أنه نُص على استئصال المال، لكن هذا يسري على استئصال مقومات حياتية مهمة أخرى، منها مقوّم «الصحة» الذي اجتاحه الوباء.
الوباء:
تحت مادة (وبأ) جاء في لسان العرب: «الوَبَأُ: الطاعون بالقصر والمد والهمز... وقيل هو كلُّ مَرَضٍ عامٍّ... وجمعُ الممدود أَوْبِيةٌ وجمع المقصور أَوْباءٌ.. وأَرضٌ «وَبِيئةٌ» على فَعيلةٍ، و»وَبِئةٌ» على فَعِلةٍ، و»مَوْبُوءة» و»مُوبِئةٌ»: كثيرة الوَباء... وقد وَبِئَتِ الأرضُ تَوْبَأُ وَبَأً فهي مَوْبوءَةً، إذا كثُر مرضها.
وكذلك وَبِئَتْ تَوْبَأُ وَباءَةً، فهي وَبِئَةٌ ووَبيئَةٌ ومُوبِئةٌ: كثيرة الوَباء.
واسْتَوْبَأْتُ البلدَ والماءَ. وَتَوَبَّأْتُه: اسْتَوخَمْتُه، وهو ماءٌ وَبِيءٌ على فَعِيلٍ.
والباطِل وَبيءٌ لا تُحْمَدُ عاقِبَتُه. ابن الأَعرابي: الوَبيءُ العَلِيلُ».
وجاء في «لسان العرب» تحت مادة (طعن):
«وفي الحديث: فَنَاءُ أُمتي بالطَّعْنِ والطاعُون»؛ الطَّعْنُ: القتل بالرماح، والطَّاعُون: المرض العام. والوَباء الذي يَفْسُد له الهواء فتفسد به الأَمْزِجة والأَبدان؛ أَراد أَن الغالب على فَناء الأُمة بالفتن التي تُسْفَك فيها الدِّماءُ وبالوباء».
استخلص مما جاء تحت هذا الجذر ما ينطبق تمامًا مع الدلالة الحالية، وهو قوله: «استوبأت البلد»، وقوله: الوبأ والوباء كل «مرض عام يفسد له الهواء فتفسد به الأمزجة والأبدان».
وهذا فعليًا ما حدث لكل بلد حلّ بها وباء «كورونا».
المستجِد:
لفظ اقترن كثيرًا باسم الوباء قبل الإعلان عن اسمه الرسمي «مرض فيروس كورونا (كوفيد-19)»، حيث كان يعرف بداية ظهوره باسم «فيروس كورونا المستجد 2019».
وقد سمي بالمستجد للاعتقاد السائد بارتباط الفيروس المسبب له جينيًا بفيروس كورونا الوخيم (سارس) في عام 2003.
الجانب اللغوي الذي لفتني بخصوص هذا اللفظ، ومن الجدير الوقوف عنده، هو أن بعض المراسلين في وسائل الإعلام، وكثير من العامة، كانوا ينطقونه على غير وجهه الصحيح؛ حيث ينطقونه بفتح الجيم (المستجَد) وهذا يعني أننا أمام اسم مفعول، والصحيح أنه على صيغة اسم الفاعل (مستجِد) بكسر الجيم؛ لأنه فيروس «استجَـدَّ».
** **
- الجوهرة بنت عبدالعزيز المعيوف