زكية إبراهيم الحجي
اجتياحٌ وبائي جعل من الحواجز المكانية الثابتة على أرض الواقع نقطة انطلاق إلى عالم مختلف.. اجتياح زماني امتلك كل وسائل التخلص من روتين الذهاب والإياب ومزاحمة الآخرين للوصول إلى حيز ربما كان أضيق مما تحتمله رحابة العقول.. اجتياح غير بوصلة التعليم التي لم نكن نتخيل في يوم من الأيام أن هذه البوصلة ستُغير اتجاهها المكاني ليبدأ أبناؤنا من طلبة وطالبات تجربة جديدة فرضتها أحكام وباء كورونا.. إنها تجربة «التعلم عن بعد».
تُعد تجربة التعليم عن بعد فرصاً وتحديات خاصة لأطفال الصفوف الأولية.. فما بين ليلة وضحاها يتحول حال هؤلاء الصغار من منطلقين في ساحات وفصول المدرسة وممارسة الأنشطة التي اعتادوا على ممارستها كل صباح إلى حبيسي الغرف المنزلية وذلك لمتابعة تحصيلهم الدراسي عن بعد.. تجربة ذات حمل ثقيل ليس على الطفل فقط بل على الوالدين أيضاً. في زمن كورونا الذي أجبرنا على نظام التعليم عن بعد يصبح جميع أفراد الأسرة أبطالاً لقصص تفاصيلها سرد لحياتهم المعيشية في ظل خوض تجربة تعليمية جديدة يستخدم فيها طالب الصفوف الأولية أجهزة مصنفة في ثقافته على أنها أجهزة للعب والتسلية ليس إلا فهل يدرك عقل الطفولة الجانحة إلى اللعب بأن التعليم عن بعد الذي يطبق في البيت ليس إلا دروساً حقيقية كتلك التي كان يتابعها في مدرسته.. وأن الدروس تُدار عبر شاشة الحاسوب.. سؤال يُبرز دور الوالدين ومدى قدرتهما لإنجاح عملية التعليم حيث أن العلاقة بين الطفل ووالديه تجعله أكثر استعداداً لتقبل الدور الذي يقومان به من اجابة على أسئلته واستفساراته ومساعدته عند الخوض في عملية التعليم عن بعد فدورهما أقل رهبة من دور المعلم كونهما أكثر قرباً منه وأكثر أماناً بالنسبة له كما سيدرك مع مرور الوقت أن مفهوم الدرس قد تغير وأن الدراسة عن بعد أصبحت ضرورة لا خياراً.
ومن خلال تجربة التعليم عن بعد سيكتشف الوالدان أن نمط حياتهما قد تغير وأنهما أصبحا يكرسان جلَّ وقتهما مع الأبناء رفقاء لهم دراسياً ونفسياً.. تجربة تفتح عينيهما على أن الوقت الذي كان يُمنح لهم قبل أزمة كورونا قليل وأنهما يحتاجان إلى متسع أكثر من الوقت لمراقبتهم ومتابعتهم.. هما الآن شريكان مع أبنائهم في قاعة الدرس.. وهما الجهة الإشرافية المباشرة على العملية التعليمية والتربوية في هذه الظروف الاستثنائية.
أخيراً نثمن الجهود الكبيرة والمتميزة التي بُذِلت ولازالت تُبذل من قبل وزارة التعليم والتي جاءت على قدر عالٍ من المسؤولية في إدارة المواقف واتخاذ القرارات الحكيمة ليتحقق الهدف المرجو في إنجاح تجربة التعليم عن بعد خلال هذه المرحلة الحرجة.