د. محمد عبدالله العوين
يحسن بنا أن نفرِّق بين شكلين من الكتابة السردية يتعالقان بصورة عميقة: الرواية السييرية والسيرة الروائية، فالشكل الأول لا يمكن الاعتداد به في جانب التاريخ الاجتماعي والسياسي ولا الذاتي لكاتب الرواية السييرية، أما الثاني فيتداخل التاريخ السياسي والتحولات الاجتماعية مع الصيغ الفنية الروائية وأدواتها، فيتيح استشفاف الأبعاد السياسية والاجتماعية والذاتية لكاتب النص. وثمة ما لا يتصل بهذين الشكلين على الإطلاق ولا يستعير شيئاً من أدواتهما؛ وهي الكتابة السييرية الذاتية المجردة، وهي مصدر مهم وموثوق به بقدر الثقة بكاتبه من مصادر التاريخ للمجتمع بكل تحولاته ولشخصية الكاتب من حيث البدء، وتتفاوت أساليب كاتبي السيرة الذاتية المجردة من حيث الجودة والرداءة في الأسلوب، ومن حيث القدرة على التصوير، ويتبين فيها ما هو سيرة ذاتية أدبية وما هو سيرة مجردة من سمات الأسلوب الأدبي.
وكلتاهما الأدبية والمجردة لا غنى لأي مجتمع عنهما، وهي مصدر مهم للتدوين وللرصد ولتتبع تطور المجتمع، بل لعل من الواجب الوطني أن نشجع على كتابة مزيد من السير الذاتية، ونطلب كتابتها من كل قادر على ذلك، نطلب من الأدباء أن يكتبوا ما شاهدوه ومن اتصلوا بهم واستفادوا منهم، وكيف كانت حياتهم من طفولتهم إلى شيخوختهم، ومن خلال تطور حياة الأديب وقراءته لمجتمعه وللشخصيات وللأحداث التي عاشها يستطيع أي قارئ لسيرته الذاتية الحكم على مجتمعه والخروج بتصور جلي عن التحولات الاجتماعية والحضارية التي مر بها. لا أناشد الأدباء القادرين على الكتابة الأدبية فحسب؛ بل أدعو أيضاً كل من تولى شأناً من الشؤون أو وظيفة من الوظائف المهمة أو كان معنياً بهواية معينة أو مهنة من المهن أو أوكل إليه أمر من الأمور الوطنية في الشأن الديني أو التعليمي أو الاقتصادي أو السياسي أو الرياضي أو الإعلامي أو العسكري أن يكتب سيرته الذاتية، لتبقى مصدراً من مصادر تاريخ هذا الوطن.
وإنني ليبلغ مني الأسف مبلغه حين أستذكر تاريخ أعلام من أعلامنا في الأدب والصحافة والسياسة والمال والعسكرية مضوا إلى رحمة الله ولم يدونوا سيرهم الذاتية.
وكنت أتمنى لو كتب هؤلاء الأدباء سيرهم الذاتية: أحمد السباعي (أستثني أيامي فليست سيرة كاملة)، محمد حسن عواد، حمزة شحاتة، عبد الله عبد الجبار، محمد حسن فقي (أستثني ترجمة حياة فليست سيرة كاملة) محمد سعيد عبد المقصود، محمد علي مغربي، عبد القدوس الأنصاري، محمد حسن كتبي، عبد الله الفيصل، عبد الله بن خميس، محمد بن سعد بن حسين، حسين سرحان، أحمد الغزاوي، عبد الله عريف، عبد الله شباط، سعد البواردي، وغيرهم.
وقد قرأت أن الأديب الدكتور حسن الهويمل يعكف على كتابة سيرته الذاتية وقد أنجز منها ما يزيد على مائتي صفحة، فما أسعدنا بهذا الخبر، وفي انتظار صدور سيرة معالي الأستاذ جميل الحجيلان التي سترصد تاريخ مرحلة إعلامية ريادية مهمة.
اكتبوا سيركم؛ فهي ليست لكم وحدكم؛ بل لوطنكم، وللأجيال القادمة.
** **
moh.alowain@gmai.com