أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: جاء في هذه الضميمة المتنوعة متنوعات عسيرة الفهم؛ فعانيت تعباً في تذليلها؛ فقد جاء في صفحة عنوان كتاب (الدرة فيما يجب اعتقاده)؛ وهو رسالة في تحقيق الكلام فيما يلزم الإنسان اعتقاده، والقول به في الملة والنحلة باختصار وبيان، تأليف الإمام العالم القدوة المحقق، فريد دهره، ووحيد عصره: (الإمام أبو محمد علي بن أحمد بن حزم الأندلسي الفارسي) رضي الله عنه وأرضاه، وجعل الجنة متقبله ومثواه؛ وصلوات الله وسلامه وبركاته على عبدالله ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، آمين والحمد لله رب العالمين).
قال أبو عبدالرحمن: أوله بعد البسملة: (صلى الله على محمد وسلم تسليماً كثيراً.. قال الشيخ الإمام الفاضل (أبو محمد علي بن أحمد بن حزم) رضي الله عنه وأرضاه: أما بعد: الحمد لله رب العالمين حمداً يرضيه عنا..)؛ وآخره: (تمت الرسالة المسماة بـ الدرة)، والحمد لله رب العالمين كثيراً، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً؛ ويتلوه إن شاء الله تعالى (رسالة التوقيف على شارع النجاة)؛ وهو للإمام ابن حزم رحمه الله تعالى، والله أعلم، والحمد لله على إحسانه، ونشكره على جزيل إنعامه وإفضاله، وبالله التوفيق، وحسبنا الله ونعم الوكيل).
قال أبو عبدالرحمن: كتب على هامش الصفحة الأخيرة ما نصه: الحمد لله، وبعد: فقد قرأ كاتبه: (محمد بن علي الحموي الفلوجي الشافعي الواعظ) هذه الرسالة في علم الكلام، المسماة بـ(الدرة) من تأليف ابن حزم.. قرأ عليه قراءة بحث وتحقيق على الشيخ العلامة (شهاب الدين الميلي المالكي)، وقرأت عليه قبل ذلك كتباً كثيرة، وسألته فسح الله في أجله أن يجزيني بإقرائها، وبإقراء غيرها من كتب الأصول والفروع، والعربية، والتفسير، والحديث؛ فأجازني بجميع ذلك، وبكل ما يجوز له أو عنه روايته، والله أعلم).. وكان (الفلوجي) قد كتب تعليقاً نحو هذا في الصفحة الأخيرة من كتاب (الأصول والفروع) من هذا المجموع (الورقة 93)؛ فقال: (الحمد لله الموفق للصواب، وبعد: فقد قرأ كاتبه العبد الفقير إلى الله تعالى (محمد بن علي الفلوجي الحموي الشافعي) هذا الكتاب؛ وهو (المجلى) لابن حزم من أوله إلى آخره.. قراءة بحث وتحقيق على الشيخ العلامة (شهاب الدين أحمد الميلي المالكي)، وقرأت عليه كتاب (الدرة) لابن حزم في علم الكلام، وهو يتلو هذا الكتاب في هذا المجموع، من أوله إلى آخره، قراءة بحث وتحقيق، وقرأت عليه أيضاً كتاب (الجامع) لابن حزم من أوله إلى آخره قراءة بحث وتحقيق، وقرأت عليه أيضاً كتاب (العظائم) لابن حزم من أوله إلى آخره قراءة بحث وتحقيق، وقرأت عليه أيضاً كتاب (الليث العابس في صدمات المجالس) من أوله إلى آخره قراءة بحث وتحقيق.. (قال أبو عبدالرحمن: ليس هذا من كتب الإمام ابن حزم؛ وإنما هو الشيخ الميلي).. وكنت قرأت عليه قبل هذه الكتب كتباً كثيرة، وأجازني بها وبغيرها، وسألته فسح الله في أجله أن يجيزني بإقراء هذه الكتب لمن أشاء في أي مكان شئت، وبإقراء غيرها من كتب الكلام، وأصول الفقه، والفلسفة، والتصوف، وغيرها؛ فأجازني بذلك وبكل ما يجوز له وعنه روايته، والله أعلم).. وكتب الشيخ الميلي بعد هذا مباشرة إقراراً له، ونصه: (الحمد لله رب العالمين، صحيح ذلك، كتبه الفقير: أحمد الميلي المالكي).. وقوله: (قرأ كاتبه...) المراد منه كاتب هذا التعليق نفسه، وليس كاتب النسخة؛ وإنما هو آخر مجهول أغفل اسمه، وخطه لا يشبه خط الفلوجي؛ وهذا فاضل معروف، هو الشيخ (شمس الدين محمد بن علي) الشافعي الواعظ المقرئ، أخذ عن (البدر الغزي)، و(التقي القاري)، و(السعد الذهبي)، وغيرهم، ومكث في القاهرة سنين في الاشتغال، ثم قدم دمشق سنة 939 هجرياً، ثم شرع يعظ تحت قبة النسر بلأموي عقب صلاة الجمعة، وكان شاباً ذكياً واعظاً، يفتي ويدرس في الشامية البرانية، وأم بمقصورة الأموي شريكاً للشهاب الطيبي، وكان عارفاً بالقراءات، فقيهاً حسناً، وجرت له محنة لما أشيع عنه من تكفيره ابن عربي الصوفي الضال، توفي بدمشق ليلة السبت (16-9-952 هجرياً) رحمه الله تعالى.. وأما عنوان كتاب (الدرة) وصحة نسبته لابن حزم رحمه الله تعالى؛ فعنوانه في النسخة المقدسية (الدرة فيما يجب اعتقاده)، وأما في النسخة التركية فهو (الدرة في تحقيق الكلام فيما يلزم الإنسان اعتقاده والقول به في الملة والنحلة باختصار وبيان)، والصيغة الأولى أرجح أنه من مصنفه ابن حزم رحمه الله تعالى، أما الثانية فغير مستبعد أن تكون منه أيضاً، ويكون الاختلاف منه، أو من النساخ الذين تداولوا هذا الكتاب على تباعد الزمان والمكان.. وقد ذكره ابن حزم نفسه باسم (الدرة)؛ فقال في (المحلى بالآثار) في سياق رده على مثبتي القياس (1/ 57) (المسألة: 100): ((كل آية وحديث موهوا بإيراده هو مع ذلك حجة عليهم على ما قد بيناه في كتاب (الإحكام لأصول الأحكام)، وفي كتاب (النكت)، وفي كتاب (الدرة)، وفي كتاب (النبذة)..)).. قال محقق الكتاب الشيخ (عبدالحق التركماني): يقصد ابن حزم بالدرة كتابه هذا؛ فقد أفرد فيه الفصل التسعين لتقرير بطلان القياس؛ وهو فصل مطول بالمقارنة ببقية فصول الكتاب، وكذلك بالنظر إلى الغرض منه ومنهجه فيه، وأقدم من ذكر هذا الكتاب القاضي أبو بكر ابن العربي المالكي (ت543 هجرياً)؛ فقال في سياق تطاوله على ابن حزم: ((وقد جاءني رجل بجزء لابن حزم سماه: نكت الإسلام، فيه دواهي؛ فجردت عليه نواهي، وجاءني آخر برسالة الدرة في الاعتقاد؛ فنقضتها برسالة الغرة))، وكان قال عنه قبل ذلك بأسطر: ((وخرج عن طريق المثبتة في ذات الله وصفاته؛ فجاء بطوام قد بيناها في رسالة: الغرة)).. وذكره الفيروزآبادي؛ فقال: ((وكتاب الدرة في الاعتقاد، صغيراً))، وذكره أيضاً الذهبي؛ فقال: ((الدرة في ما يلزم المسلم، جزآن))؛ فيتبين من جميع ما تقدم صحة نسبة كتاب (الدرة) إلى مصنفه أبي محمد ابن حزم، ويدل أيضاً على شهرة الكتاب، واهتمام الطلبة به؛ وهو ما حمل القاضي (ابن العربي) على الرد عليه، ولم يمنع ذلك من انتشار نسخه في العالم الإسلامي حتى وصلتنا من نسختان مشرقيتان، أما كتاب ابن العربي فقد ولد ميتاً؛ فلم يذكره المترجمون له، ولا وصلتنا نسخة منه، ولله في خلقه شؤون؛ وعن ذلكحديث يأتي إن شاء الله تعالى.
** **
كتبه لكم: (محمد بن عمر بن عبدالرحمن العقيل)
-عفا الله عني، وعنهم، وعن جميع إخواني المسلمين-