فضل بن سعد البوعينين
كما أن للجيوش عقيدة عسكرية، فمن المفترض أن يكون للإعلام عقيدة مرتبطة بالوطن، فالمهنية وإن كانت من أهم متطلبات الإعلام، إلا أنها تتضاءل أمام العقيدة الوطنية التي تجعل من الوطن ومكوناته ومصالحه أولوية لا يمكن الحياد عنها.
فالمهنية الإعلامية توارت عن محطة cnn وبعض المحطات الأخرى، عندما بدأوا في تجييش الرأي العام ضد الرئيس «دونالد ترمب»، وتحولت تلك القنوات ذات الثقل المهني إلى قنوات موجهة لخدمة الحزب الديموقراطي، وتسهيل عملية وصول مرشحه «جو بايدن» إلى البيت الأبيض. تراجعت أهمية المهنية لدى بعض المحطات الأميركية لمصلحة العقيدة الحزبية، وربما الدولة العميقة، التي تتحكم بالولايات المتحدة ورؤيتها المستقبلية.
وفي حرب الخليج، تنازلت cnn عن مهنيتها وقبلت أن تعتمد على الملخص الذي تقدمه قيادة الجيش لها، برغم تواجدها في أرض المعركة، ومشاهدة مراسليها الكثير من الأحداث المهمة التي أغلقوا عنها عدسات كاميراتهم التلفزيونية.
وعلى المستوى العربي، نجد أن قناة الجزيرة ملتزمة بعقيدتين رئيستين، الأولى عقيدة مسيري القناة ذات العلاقة بدعم خطة «الفوضى الخلاقة» في الدول العربية، والثانية عقيدة الوطنية القطرية التي تُحرم تناول القضايا القطرية السلبية، أو السماح للضيوف بالإشارة لها ولو تلميحا، إضافة إلى فرض وصاية على جميع العاملين في القناة، والتحكم بمخرجاتهم في جميع منصات التواصل. لم تهمل القناة كفاءة ومهنية العاملين فيها، ولكنها أطرتها بعقيدة مسيريها، ووجهتم، بطرقها الخاصة، لتنفيذ سياساتها الصارخة التي تتناقض مع المهنية الإعلامية التي ينشدها بعض المتخصصين وخبراء الإعلام التقليديين.
وفي لبنان، التي يؤمن ملاك وسائل الإعلام بقدراتهم ومهنيتهم، فيقدمونهم على من سواهم في المناصب الإعلامية الحساسة، نجد أن العقيدة الصفوية التي يقف خلفها حزب الله، هي السائدة، والضامنة لتحقيق خدمة مصالح إيران.
لم تعد المهنية الإعلامية معياراً وحيدا لكفاءة الإعلاميين، كما لم تعد مهنية وسائل الإعلام معياراً لرضى ملاكها ومن يقف خلفها؛ بل أصبحت العقيدة الوطنية، أو ربما، المشروع السياسي، المحرك الرئيس لها، وهو ما يحاول البعض تجاهله، تغليبا للمهنية التقليدية. وهو أمر يستوجب التوقف عنده، وأن يحفز المسؤولين على إعادة تشكيل رؤيتهم حيال وسائل الإعلام السعودية، المحلية والإقليمية، بأن تكون العقيدة الوطنية معيارا لمخرجاتها الإعلامية ومدخلاتها البشرية، والمسح الأمني جوازا لتوظيفهم، إلا وفق سياسة محكمة تضمن استدامة الولاء، وهو أمر لا يمكن تحقيقه إلا بوجود لجنة عليا تتولى الإشراف على المنظومة الإعلامية لضمان جودة مخرجاتها وتوافقها مع العقيدة الوطنية، وتحصينها من الاختراقات التي تتسبب في تشويه مخرجاتها، أو استغلالهم؛ مستقبلا؛ ضد الوطن ورموزه.
لم تعد مقولة «كلب ينبح لك ولا كلب ينبح عليك» متوافقة مع متطلبات المرحلة الحالية، فالكلب سيبقى كلبا يلهث إن أكرمته أو أهنته؛ قال تعالى «فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث». وفي سياسة الإعلام الموجه، فإن ضمان استدامة الولاء، أو كف الشر المستقبلي على أقل تقدير، لا يحدث بالمال فحسب، بل وبعمليات سرية أخرى مساندة تفرض على العاملين في قطاع الإعلام، لذا لا يمكن الفصل اليوم بين المنظومة الإعلامية والجهات الاستخباراتية القادرة على فرض العقيدة الوطنية والأمن الإستراتيجي، وإلزام الجميع بهما. ترك الإعلام للإعلاميين، وإن تميزوا بالكفاءة والخبرات المتراكمة، يحتاج إلى تبصر، ومراجعة، فنجاح بعض القنوات العربية في سياساتها العدائية والتخريبية لم تأت من المهنية الإعلامية فحسب، بل وبالإشراف الاستخباراتي الذي أطر عمل القناة والعاملين فيها، وفرض عليهم سياسة التزام مستدامة مرتبطة بعقيدة الهدف، ولا تُنقض باستقالة الإعلاميين من القناة!
** **
F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM
@ALBUAINAIN_F