أحسبه لازما على ذهن السوي الفرح بكل مادة تستثير نقعا راكدة إما ليستفيد (ورحم الله كل من مدّنا بمعلومة)، أو يحفل بها حين يتفاعل معها فيكتب عنها مثلا، فإن لتلك التي تعلّم بالذهن فلا يدعها حتى تُفشي ما بداخله حيالها، أو تُصدر منه ما يحاكيها..
وهذه لعمري هي من تنال مرتبة الشرف بوضعها على سطح الذهن، فحسبها أن عطفت لتملي عما مدّتك به.. ولا أقول تستفزك لإظهار كوامن ما لديك..
إذ كم من مادة تحتاج ظرفية لولادتها..
أو داعي انبلاج ما في مكنونك عنها.
.. بل كم من خاطرة تمر عليك مرور الكرام ولولا ذاك الجالب الذي يجعلك لا تبرحها إلا وقد استنفرت قواك عسى تفضي عليها شيئا من براح ما لديك..
ومن تلكم مادة للراحل الكبير (د. مصطفى محمود) رحمه الله بعنوان (الديك الشبعان).
استلّ منها هذه الأسطر:
(زمان.. لم تكن المرأة في حاجة إلى أي مجهود لاجتذاب الرجل..
فهو دائما مجذوب من تلقاء نفسه.. كان مجذوبا، يتلصص وراءها من ثقوب الأبواب..
ومن ثقوب البراقع..
ويقف (ملطوعاً) بالساعات في الشوارع على أمل أن يظهر ظلها من خلف شيش النافذة..
أو تظهر يدها وهي تمتد إلى القلّة، أو أصيص الزهر
كان مجذوباً، لأنه لم يكن يعثر لها على أثر..
كان يعيش في عالم كله من الرجال ويعمل في عالم كله من الرجال..
وكانت المرأة شيء شحيح نادر لا يظهر في الطرقات.. ولا يظهر في المدارس.. ولا في المكاتب..
وإنما يختبئ في البيوت داخل عباءات وملاءات وجلاليب طويلة..
ولم يكن هناك طريق للوصول إليها سوى أن «تتزوجها على سنة الله ورسوله» بدون معاينة وبدون كلام كثير) ...الخ
يا الله على زبدة هذه (أن يتزوجها)..
وهنا أبني بعضا مما لدي لذاك الوجه الخفي..، أعني من تلكم الحِكم(?) البعيد تحصيلها -إلا ما شاء الله- عن أذهننا لـ(الحجاب)..
إن الرجل حين يتزوّج المرأة -أي وحدة- على ما فيها من جمال متواضع جدا، فهو فضلا أنه لم ير من النساء غير محارمه ليقيس، فهو في الأغلب يقنع، وعقله الباطني يملي عليه أن (كل النساء مثل بعض).. فلا تمتد عينه -أو تزيغ- إلى غيرها، بخاصة أن لا منفذ له سوى الحلال -الزواج-.
والنادر الذي ظروفه تسمح بالتعدد، بعصر كان شح الدنيا هو عنوان حياة القوم يومئذ..
ومن ثمّ -بعدها- أي مع العمر والعشرة التي يكتنفها من أثقال الحياة وأعباء العيش ما يتكشّف له عن محاسنها (الخفية)..
فقد تكون أخلاقها عالية، تعاملها راق، احترامه له ليس له نظير ..إلخ.
فضلا عن صبرها عليه، وتحملها ما يبدر منه..
وأما في الوقوف معه إن عسرت أحواله أو ضاقت عليه الدنيا- بما رحبت.. -، فذاك وجه آخر لجمال ذاتها ونقاء روحها
فكم من حُسن خفي وجمال بهي لا يخرجه الا محاكاة الحياة وتقلباتها..
فالناس- وليس فقط الرجال- معادن والتي لا يظهر منها إلا بأحوال ومواقف، فالدنيا (على كلّ) ذا تقلّب ولا يستقيم لها شأنٌ..
كما أن الجمال الظاهري غالبا خلفه غرور... أو مسحة من الكِبر إلا ما شاء الله!
والخلاصة..
إن الحجاب محاسنه على الجنسين الرجل ليكتشف جمال الأخلاق والعشرة بدلا من التركيز على القشور..
وعلى المرأة أن لا يقف حظها على من يظن أن المظهر وحده كاف للقياس..
فكم في المخابر من كنوز ودرر...
على نحو ما قيل (كل الصيد في جوف الفراء..).
إشارة:
جمال الوجه مع قبح النفوسِ
كـ(قنديل) على رأس المجوسِ
***
«الحكمة من أمر شرعي طُلب منا العمل به (سواء استبانة لنا حكمة تشريعه أم لم تستبين) ليس شرطا ولا لازما.