د. محمد عبدالله الخازم
بالنسبة لمحور السياسات، طالما سيتم التغيير لنوعية الابتعاث وأهدافه فالأمر يتطلب سياسات إدارية ومالية مختلفة. يجب أن نعلم أن نظام الابتعاث الأساسي كُتب قبل أكثر من نصف قرن، وكل ما حدث من تطوير هو (إضافات وتعديلات) في الهوامش، كزيادة مكافآت، أو وضع ضوابط جديدة زادته تعقيدًا. النظام صُمم للجامعات لابتعاث منسوبيها، وليس للتدريب أو لبرنامج خادم الحرمين الذي حمل عليه لتبدأ بعد ذلك التعديلات والتحويرات اللامنتهية. كتوضيح من تجربة، عملت سنوات مشرفًا على الأطباء في ملحقيات كندا، ثم أمريكا، وكان جزء كبير من صعوباتنا عدم استيعاب نظام الابتعاث الأساسي لمتطلبات التدريب الطبي؛ وهو ما تطلب استحداث حلول، بعضها كان يضعنا في فوهة مدافع البيروقراطيين.
ربما لم يكن مناسبًا منذ الأساس إيكال البرنامج إلى وزارة التعليم العالي؛ باعتبارها جهة تنظيمية وإشرافية، ومع البرنامج أصبحت كجامعة، أرهقتها الجوانب التنفيذية. عمومًا، نحن بحاجة إلى إعادة رسم استراتيجية الابتعاث - مع اقتراح استبدال مصطلح الابتعاث بالتبادل المعرفي - سواء في أهدافه أو أنماطه المختلفة أو أنظمته. نحتاج لنظام جديد للابتعاث، ولاختيار المبتعثين وتأهيلهم، وشمول فئاتهم كافة، وغير ذلك من المتطلبات التنظيمية.
بالنسبة للمحور الاقتصادي، ويشمل التكاليف وكفاءة التشغيل والهدر والعائد، فهذه تفاصيل رقمية، تحتاج لتحليل شفاف محايد، لا انطباعات عامة عبر مقال. ربما كانت هناك مراحل للابتعاث اتُّخذت خلالها القرارات بناء على انطباعات وليس حقائق رقمية، لكن مع تراكم مخرجات السنين المهمة ليست صعبة لإيجاد دراسات اقتصادية مقننة. في الجانب الاقتصادي غاب كذلك البحث عن موارد تمويلية إضافية للبرنامج.
يبدو لي أن برنامج الابتعاث خلال مسيرة تفوق خمسة عشر عامًا صاحبه صعوبات إدارية عديدة، وتاه بين الإفراط والتقتير، بين اللامركزية والمركزية، بين الثقة واللاثقة، بشكل يصعب وصف إدارته كجملة واحدة. والأمر طبيعي لتنوع دول الابتعاث وأنظمتها، وحدوث تغييرات عديدة على مستوى قيادات وزارة التعليم والتعليم العالي.
وتجاوزًا للتفاصيل، سبق أن اقترحت إيجاد هيئة مستقلة للابتعاث، وعرضت المقترح على أصحاب المعالي وزراء التعليم السابقين، ووكلاء الابتعاث. لكن مع تقلص حجم برنامج الابتعاث، وربما عدم تجديده في المستقبل القريب، وفي ظل التغيرات الاقتصادية والتنظيمية في الابتعاث والتعليم العالي بصفة عامة، ومع توجهات الرؤية الاقتصادية وأنظمة الجامعات الحديثة، أطور الفكرة باقتراح صندوق التبادل المعرفي كبديل لبرنامج الابتعاث أو للهيئة التي سبق اقتراحها.
التفاصيل تطول، لكن أختصر بتلخيص رؤيتي في النقاط الآتية:
أولاً: يُلغى برنامج ابتعاث وزارة التعليم الحالي. لا أتحدث عن الجهات الأخرى؛ فلها احتياجاتها.
ثانيًا: يُستبدل ببرنامج التبادل المعرفي؛ إذ التبادل مصطلح أشمل، ويحوي إرسال الطلاب السعوديين، واستقبال الطلاب الأجانب. ويُنفذ ضمن رؤية تطوير الجامعات السعودية.
ثالثًا: يؤسَّس صندوق التبادل المعرفي، وتكون مهمته دعم برامج التبادل المعرفي التي تقوم بها الجامعات وغيرها. وكذلك تنمية موارد حكومية وأهلية للبرنامج. ربما نتوسع في شرح فكرة صندوق التبادل المعرفي مستقبلاً.
رابعًا: الاستعانة بجهات أخرى (outsourcings) لإدارة البعثات. توجد شركات ومؤسسات تعليمية متخصصة في هذا الشأن في مختلف الدول.