محمد سليمان العنقري
تعد الصناعة أحد أهم ركائز التنمية باقتصاديات الدول حيث يعمل فيها 24 في المائة من القوى العاملة عالميًا وتعد الثورات الصناعية مراحل مفصلية بتاريخ الشعوب أثرت فيها ثقافيًا وحضاريًا وليس اقتصاديًا فقط وفي المملكة دخلت الصناعة مرحلة جديدة بعد إطلاق رؤية 2030 م التي اعتمدت قبل أربع سنوات. وفي العام الماضي تم فصل الصناعة والتعدين في وزارة مستقلة ليكون دورها مركزًا على تحقيق الأهداف المنشودة لمستقبل الصناعة في المملكة بعد أن كانت جزءًا من وزارة الطاقة، فالدولة تضع الصناعة كأولوية في خطط التنمية لأن دورها كبير في زيادة الطاقة الاستيعابية في الاقتصاد وتحقيق أمن اقتصادي بمنتجات أساسية عديدة إضافة إلى دورها بتوليد فرص عمل كثيفة.
وإذا كانت المملكة تملك مقومات عديدة تجعل جدوى التركيز على قطاع الصناعة ذا قيمة مضافة كبيرة للاقتصاد فإن تسارع تنفيذ العديد من المبادرات من قبل وزارة الصناعة خلال عام مضى يظهر أن الاهتمام بالصناعة ليس خيارًا، بل بمنزلة الهوية الاقتصادية للمملكة في تنافسيتها عالميًا، فالموقع الجغرافي ووجود ثروات طبيعية بحجم ضخم من النفط والغاز والعديد من المعادن مع توفر كافة الممكنات التنظيمية يعطي الصناعة زخمًا كبيرًا لتكون من أكثر القطاعات نموًا أفقيًا وعموديًا فبحسب ما قاله وزير الصناعة الأستاذ بندر الخريف فإن الهدف جعل الصناعة الخيار الأول للاستثمار وقد أعلن أيضًا عن برنامج
«صنع في السعودية» الذي يهدف الى صناعة هوية للمنتج الوطني ورفع مستوى الجودة وتوفير كل الممكنات التي تسهم في رفع التنافسية وزيادة نسبة التفضيل السعري للمنتج المحلي وكذلك رفع نسبة المحتوى المحلي إذ لا يكفي أن يكون المنتج النهائي يصنع محليًا، فالفائدة تتعاظم إذا كانت نسبة المحتوى المحلي مرتفعة لأن ذلك يطور الصناعة ويوفر سلاسل إمداد داخلية واسعة مع فرص استثمار وعمل كبيرة، فالبرنامج يبدو طموحًا جدًا ومن المهم الاطلاع على تفاصيله من قبل المهتمين بالصناعة والاستثمار عمومًا كونه يوفر لهم أرضية خصبة للنجاح.
وفي ذات السياق نجد أن الحكومة أصدرت العديد من القوانين الداعمة للصناعة كقانون الاستثمار التعديني خصوصًا إذا عدنا قليلاً لسنوات مضت عندما تم اكتتاب وإدراج شركة معادن بسوق الأسهم المحلية، حيث صنف قطاع التعدين بأنه الركيزة الثالثة في الاقتصاد بعد النفط والبتروكيماويات وهو ما يعني أن المرحلة المقبلة ستكون للتوسع بالصناعة التعدينية بعد صدور القانون الخاص بالتعدين، إضافة إلى تطوير منظومة عمل التمويل عبر الصندوق الصناعي لدعم القطاعات الصناعية المستهدفة التي ظهرت أهميتها بوضوح بعد جائحة كورونا التي وجهت الدول نحو زيادة الاستثمار في الصناعة وتقليل الاعتماد على الاستيراد لتحقيق الأمن الاقتصادي سواءً في الصناعات الغذائية أو الطبية وتجهيزاتها، فبوجود صندوق لإقراض الصناعيين وبنك للتصدير وهيئة للتجارة الخارجية مع عدد ضخم من المدن الصناعية أصبح من اليسير الاستثمار في الصناعة بما أن إجراءات التراخيص أيضًا تم تعديلها لتكون أكثر سهولة من السابق بمعايير حديثة وتستخدم التقنية لتسهيل إصدار الرخص الصناعية وتجديدها.
الصناعة عصب الاقتصاد وباتت الفرص فيها واضحة في المملكة مع التوسع في القطاعات الصناعية المستهدفة وما يحتاجه المستثمر هو البحث في الفرص التي توفرها الدولة للاستثمار بالصناعة مع التحولات الواسعة التي دخلت على هذا القطاع الحيوي إضافة لما أفرزته جائحة كورونا من فرص لزيادة الإنتاج المحلي بدلاً من الاعتماد على الواردات التي بمجملها تمثل فرص استثمار محلية مع أهمية الاعتماد على التقنية الحديث كالذكاء الاصطناعي وكل ما قدمته الثورة الصناعية الرابعة مع ضرورة توجيه الشباب لتخصصات تخدم قطاع الصناعة وتوفر الأيدي العاملة التي يحتاجها بتأهيل مناسب لمعطيات العصر الحديث فالعقد الحالي في الاقتصاد الوطني ستكون فرص نمو القطاع الصناعي هي الأبرز بين مختلف قطاعات الاقتصاد بعدد كبير من المصانع وكذلك بدخول صناعات جديدة مثل السيارات والصناعات الثقيلة عمومًا وليس المتوسطة والخفيفة فقط.