د. عبدالرحمن الشلاش
في ظل التحديات الجديدة التي فرضتها عوامل التغيير والتطوير السريعة ومنها التكنولوجيا والتقنية، وما أحدثته من ثورة هائلة في عالم الاتصال فرض الإعلام الجديد بوسائله ومواقعه الهيمنة الطاغية على عقول الأطفال والشباب بما يبث وينشر من مقاطع وصور ونصوص قد تنسف كل الجهود المبذولة على مستوى الأسرة والمدرسة إذا لم تواجه بعمل منظم في إطار واضح المعالم. لذلك ظهرت في نهايات القرن العشرين جهود كثيرة من أجل مواجهة هذه التحديات تمثلت في التربية الإعلامية أو التثقيف الإعلامي أو زيادة الوعي الإعلامي. توحد التوجه واختلفت سبل المواجهة من بلد لآخر، وفي المملكة العربية السعودية هناك إحساس كبير بالمشكلة لذلك تبذل جهودًا جيدة لكن هناك من يرى أنها ما زالت دون رؤية واستراتيجية منظمة كونها تنحصر في المؤتمرات والملتقيات ولم تتوغل إلى عمق المدرسة وهي المستهدف الرئيس من تلك الجهود.
من المسلمات الرئيسة في الموضوع التي توضح أبعاد المشكلة أن وسائل الإعلام أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية وأن العالم لم يعد قرية صغيرة وإنما جهاز صغير تحمله في جيبك، وإذا قللنا من حجم المشكلة فالمتوقع أنها ستكبر مع الأيام وستصبح مواجهتها أصعب. إن ما يطرح في الإعلام فيه إيجابيات لكن هناك سلبيات خطرها أعظم تتمثل في ثلاثية الجنس والعنف والجريمة، لذلك فإن ما تقدمه وسائل الإعلام ليس كله بريئاً وصحيحاً وخالياً من التسييس والتوجيه القائمة على أساليب الغش والخداع والتضليل والتشويه والشائعات والتدليس، وأن أفلام الكرتون الموجهة للأطفال تقوم على 70 في المائة من مشاهد العنف، كما أن المدرسة كانت في الماضي محتكرة للعملية التربوية ثم تقاسمتها مع المنزل ثم نافسها عليها الإعلام إلى أن أصبحت سيطرة الإعلام مطلقة على تربية الأجيال لذلك فإننا بحاجة ماسة لموا جهة ما يحدث برفع مستوى الوعي والتثقيف حتى يعرف الطلبة كيف يتعاملون مع مختلف وسائل الإعلام. التربية الإعلامية تعرف بأنها مجموعة الطرق والأساليب لتدريب الطلاب على كيفية التعامل مع ما يطرح في وسائل الإعلام المختلفة من أجل التمييز بين الغث والسمين وقراءة الرسائل الإعلامية قراءة ناقدة فاحصة لاختيار المفيد ورفض أي مقاطع أو رسائل تستهدف القيم والهوية الوطنية.
ولعل أبرز ما يهمنا في هذا الشأن سبل المواجهة ومنها، تنفيذ توصيات مؤتمر التربية الإعلامية الذي عقد في الرياض عام 2007، وتدريس مادة التربية الإعلامية في المدارس كمقرر، أو ضمن المقررات الدراسية، أو ضمن النشاط المدرسي وكذلك من خلال جلسات التوعية والتثقيف والعروض المرئية التي توضح خطورة ما يحدث عبر تحليل دقيق وناقد للمحتويات الإعلامية وبيان ما تنطوي عليه من مخاطر تستهدف تماسك المجتمع وهويته.