د. مساعد بن سعيد آل بخات
لفت انتباهي تغريدة في «تويتر» لشخص ما يتساءل: من هو المثقف؟ وهذا ما دفعني للقراءة في هذا الموضوع لكي يكون لديَّ الإجابة الكافية عن هذا السؤال الصغير في عدد جمله إلا أنه يتطلب الإلمام الكبير بجميع جوانب المثقف لكي تكون الإجابة مقنعة لي وللآخرين.
وفي البداية سأتطرق للثقافة لأنَّ المثقف جاء من اشتقاقاتها المختلفة, فمن اشتقاقات الثقافة: التثقيف - المثقف - الثقف ..إلخ.
وأبرز تعريف لمفهوم الثقافة ما تطرق إليه إدوارد تايلر في كتابه «الثقافة البدائية»، حيث ذكر أنَّ الثقافة «ذلك الكل المركب الذي يضم المعرفة والمعتقدات والفن والخلاق والقانون والتقاليد والعادات والقدرات التي يكتسبها الإنسان من حيث هو عضو في المجتمع».
وعندما نتمعن في هذا التعريف نجد بأنَّ إدوارد تايلر ركز على خمسة عناصر مهمة وهي:
أولاً: أنَّ قضايا الثقافة ذات بعد إنساني من عقيدة وقيم وفنون وعادات وتقاليد وليست ذات بعد مادي.
ثانياً: أنَّ قضايا الثقافة من عقيدة وقيم وفنون وعادات وتقاليد تتمثل في صورة بناء متكامل وليست جزئيات منفصلة عن بعضها البعض.
ثالثاً: أنَّ الثقافة ليست تمييزاً لفرد عن المجموعة, وإنما هي اجتماعية, فالشخص يعيشها في المجتمع الذي ينتمي إليه.
رابعاً: أنَّ الثقافة ليست ذات نمط فلسفي أو معرفة نظرية بل تعبر عن حياة اجتماعية وواقع فكري وسلوكي يفعله أفراد المجتمع في حياتهم اليومية.
خامساً: أنَّ الثقافة تُعد أحد المعايير المهمة لتمييز المجتمعات عن بعضها البعض من حيث العقائد والأخلاق والعادات والتقاليد والأعراف والقوانين, فالمجتمع السعودي له ثقافته التي تختلف عن ثقافة المجتمع الأمريكي أو المجتمع الياباني مثلاً.
لذلك يمكننا أنْ نستنتج مما سبق بأنَّ الثقافة «تعبر عن أسلوب حياة الإنسان التي يعيشها ويؤمن بها من حيث ديانته وأخلاقه ولغته وعاداته وتقاليده, والأنظمة والقوانين التي يلتزم بها».
وعندما نبحث في بداية استخدام مصطلح المثقف نجد بأنها نشأت على مراحل عدة وهي:
المرحلة الأولى: تم استخدام مصطلح المثقف مع مفهوم العقيدة المذهبية (الإيديولوجية) وذلك في عام 1792م وهو بداية تحديد الحقل المعرفي المُعبِّر عن العقيدة المذهبية العامة للأفكار.
المرحلة الثانية: استخدم نابليون بونابرت مصطلح المثقف مع إضافته عليه نوع من الشك مُعبِّراً بذلك عن المعارضين السياسيين الذي سماهم (العقائديين).
المرحلة الثالثة: استخدم كل من ماركس وأنجلس مصطلح المثقف حيث أضافا عليه معايير اجتماعية ونظرية وسياسية حيث تم وصف المثقفين آنذاك بأنهم يمثلون أحد أوجه (البرجوازيين) الذين ربطوا أنفسهم بالطبقة العاملة لطرح أفكارهم وقضاياهم.
المرحلة الرابعة: استخدمت العقيدة الألمانية الحديثة مصطلح المثقف وأضافت لمضمونه البنية الفكرية.
المرحلة الخامسة: استخدم رواد علم الاجتماع مصطلح المثقف الذين أعطوه الصفة المعرفية من حيث دور المعرفة والعلوم في صقل شخصية المثقف ليقوم بدوره في التنمية الاجتماعية.
أما فيما يتعلق بمفهوم المثقف ما هو؟ فنجد بأنَّ هناك تعاريف عدة لمصطلح المثقف أهمها من وجهة نظري ما يأتي:
أولاً: يرى نعوم تشومسكي بأنَّ «المثقف هو من حمل الحقيقة في وجه القوة», ويتبين لنا من خلال هذا التعريف بأنَّ المثقف صاحب دور قوي في الوقوف بصف الحقيقة من خلال نقده لأي سلوكيات خاطئة تحدث في المجتمع سواءً كانت من قِبَل الأفراد أو المؤسسات والشركات.
ثانياً: يرى إدوارد شيلر بأنَّ «المثقفون هم قطاع بين المتعلمين يسعون إلى صياغة ضمير مجتمعهم ليتجه اتجاهاً راشداً ويؤثرون على القرارات الكبرى لهذا المجتمع», ويتضح لنا من خلال هذا التعريف بأنَّ المثقف إنسان متعلم تجاوز نطاق تخصصه للتأثير في سلوكيات أفراد المجتمع وفي صناعة واتخاذ القرار في المجتمع.
ثالثاً: يرى لويس فوير بأنَّ «المثقف هو الشخص الذي تمتد أفكاره إلى نطاق أبعد من مهنته, ويهتم بالقضايا والمشكلات الحقيقية», ويتبين لنا من خلال هذا التعريف بأنَّ دور المثقف يتخطى حدود مهنته ليستكشف المجتمع ويبحث في قضاياه ومشكلاته محاولاً المساهمة في وضع حلول لها.
رابعاً: يُعرف المثقف في المجتمعات الحديثة بأنَّه «من لديه القردة على التفاعل والتعامل مع الأفكار والثقافات المختلفة», ويتضح لنا من خلال هذا التعريف بأنَّ معيار وصف شخص ما بأنه مثقف يعتمد على مدى تَقَبُّلِهِ للآخرين على اختلاف ثقافاتهم مما يجعل دور المثقف يقترب من مفهوم علم الاجتماع السياسي.
خامساً: هناك رأي آخر بأنَّ المثقف هو «شخص وُهِبَ ملكة عقلية لتوضيح رسالة, وجهة نظر, رأي, مما يستوجب عليه مجابهة المعتقدات التقليدية والإيديولوجيات الراكدة لإعلاء شأن حرية الإنسان», ويتبين لنا من خلال هذا التعريف بأنَّ المثقف يمثل حلقة وصل بين الجمهور والسلطة لنقل هموم الجمهور والمصاعب التي يواجهونها لأصحاب السُلطة بحكم أنَّ المثقف شخص مؤثر في شريحة كبيرة من أفراد المجتمع, وهذا ما قد يُشكل خطراً على المثقف إذا لم يُحسن التعامل مع أصحاب السُلطة.
ونستنتج من هذه التعريفات السابقة أنَّ المثقف شخص مفكر قد يكون متخصصاً أو عاماً, لكنه تجاوز حدود نطاق تخصصه, للمساهمة في وضع حلول لقضايا ومشكلات المجتمع, والتأثير على أفراد المجتمع بشكل إيجابي.
ومن الملفت للأمر بأنَّ هناك أنواعًا من المثقفين تختلف مسمياتهم بحسب اختلاف أدوراهم التي يؤدونها, وهم كما يأتي:
أولاً: المثقف الناقد: وهو الذي ينتقد مجتمعه والمجتمعات الأخرى بشكل سلبي دون أن يضع حلولاً لما يشاهده من قضايا ومشكلات في المجتمع, مثل: المباني المدرسية تُعاني من نقص في التجهيزات المدرسية.
ثانياً: المثقف الناقل: وهو الذي يقوم بنقل وترجمة المعارف العلمية والاجتماعية من الدول الغربية إلى مجتمعه, مثل: ترجمة كتاب (العادات السبع للناس الأكثر فعالية) من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية.
ثالثاً: المثقف التراثي: وهو الذي يُبرز ويدعم أفكار ونظريات علماء قُدامى, مثل: إبراز الآراء والنظريات التربوية للإمام الغزالي.
رابعاً: المثقف المؤثر: وهو الذي يستطيع أن يؤثر في أفراد المجتمع بشكل إيجابي نظراً لما يمتلكه من قدرات وإمكانات تؤهله لذلك, مثل: المساهمة في تقديم مقترحات أو وضع حلول لمشكلة ضعف مخرجات التعليم عن بُعد.
خامساً: المثقف الهارب: وهو الذي يتهرب من البحث في قضايا ومشكلات مجتمعه مع وضع حلول لها, مثل: عدم المشاركة في وضع حلول لمشكلة انتشار المخدرات بين أفراد المجتمع.
سادساً: مثقف السُلطة: وهو الذي يشوِّه الواقع ويُزيّف الحقائق ويُضلل العامة ليتقرب من الحاكم, فهو صاحب مصلحة شخصية حتى وإنْ كان على حساب العامة, مثل: معدل نسبة البطالة في المجتمع صفر%.
وقد يتبادر في ذهن أحدهم بأن أدوار المثقفين واحدة على اختلاف مجتمعاتهم التي يعيشون بها, إلا أنه في حقيقة الأمر نجد بأنَّ أدوارهم مختلفة بحسب المجتمع الذي يعيشون به, فعلى سبيل المثال:
أولاً: يكون دور المثقف في الدول النامية سلبيًا تجاه ما يحدث من أحداث سياسية واجتماعية ومعرفية..إلخ, وهذا ما ينتج عنه ضعف توعية وتبصير أفراد المجتمع بحقوقهم.
ثانياً: يكون دور المثقف في الدول المتقدمة إيجابيًا تجاه ما يحدث من أحداث سياسية واجتماعية واقتصادية..إلخ, وهذا ما ينتج عنه ارتفاع مستوى وعي أفراد المجتمع بحقوقهم.
ثالثاً: يكون دور المثقف في الدول المستعمرة مقتصراً على الأُسر النبيلة أو الأميرية التي تدير الدولة, فنظراً لضعف نفوذ هذه الأُسر في الدولة فيسعون لتقريب المثقفين منهم ليس حباً أو قناعةً بهم بل من أجل تعزيز حكمهم والحفاظ على امتيازاتهم في السلطة والثروة.
ومما لا شك فيه ينبغي أنْ تتوفر في المثقف مقومات معينة تمكنه من أداء أدواره كما هو مأمول منه, وهي:
أولاً: إلمامه بقضايا ومشكلات مجتمعه والمجتمعات الأخرى التي يود التطرق لها مستقبلاً.
ثانياً: توسيع دائرة اهتمامه على صعيد القراءة والبحث وعلى صعيد التأثير في أفراد المجتمع.
ثالثاً: عدم التعصب لقبيلة ما, أو لحزب ما, او لطائفة ما.
رابعاً: التعامل مع الأحداث الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية..إلخ بنزاهة وموضوعية.
ختاماً..
إنَّ أهم ما يميز المثقف من وجهة نظري هو امتلاكه لصفتين مهمتين وهما:
أولاً: أن يكون لدى المثقف وعي اجتماعي, والذي يمكنه من رؤية لمجتمع بنظرة شاملة ليتعرف على سمات أفراده, ويشعر بالمشكلات التي تعترضهم, فيتمكن من تحليل قضايا مجتمعه.
ثانياً: أن يكون لدى المثقف دور اجتماعي, من خلال الاستفادة من قدراته وإمكاناته ليكون ذا تأثير إيجابي على الأفراد في المجتمع, سواءً بحل مشكلات راهنة, أو بطرح أفكار ومقترحات تطويرية تخدم الفرد والمجتمع.
** **
@Mosaedalbakhat
Mosaedsaeed@hotmail.com