سمر المقرن
أي ماكينة سيارة في العالم تحتاج لصيانة كل عشرة آلاف كيلومتر ولو لم نكشف على زيتها ودرجة حرارتها وبقية احتياجاتها، سيأتي وقت لا محالة وتتوقف تماماً عن العمل وربما نخسرها إلى الأبد من سوء الاستخدام وإهمال الصيانة، هذا بالنسبة لسيارة مصنوعة من حديد وآلات معدنية، فهل فكرنا في الأهم صيانة العلاقات الإنسانية ونحن في أمس الحاجة إليها، لا سيما بعد جائحة كورونا التي باعدت المسافات إجباريا لا اختياريا وربما أغفلنا الصيانة، ومن الممكن أن نكون خسرنا علاقة بالكامل لأننا كنا تحت ضغط عصبي فلم تتسع صدورنا لتقبل الآخر أو لأي ظروف أخرى، ما المانع بعد أن هدأت الضغوط أن يجلس كل منّا مع نفسه ويسألها هل أسأنا للآخرين ربما بسبب توترنا هربا من مطاردة مرض ووباء عالمي أو تذبذب الحالة الاقتصادية للناس مثلما حدث في كل أنحاء العالم؟
ما المانع أن نبادر بالاتصال بأشخاص كانوا مقربين من قلوبنا وربما فقدناهم في الفترة الأخيرة؟ لماذا لا نهتم بهم وبمشاعرهم مثلما نريد من الآخرين أن يفعلوا ذلك معنا؟ هل سألنا أنفسنا إن كنّا لطفاء معهم قبل أن يبقوا كذلك معنا؟ هل كنّا نحدثهم ونسجنهم دائما في زنازين الضغوط النفسية بالإفراط في اللوم أو الصراخ معهم أثناء الحديث؟ هل أصبح الخرس الزوجي وربما العنف هو لغة منتشرة بين الأزواج مثلاً؟ ما المانع أن نقوم بصيانة هذه العلاقات من جديد ويتحمل كل منّا الآخر ويتنازل بالسباحة إلى منتصف النهر لنلتقي في وسطه، بدلاً من أن نترك الآخر يعبر النهر بمفرده فندفع بالتي هي أحسن. لو كان زوجاً لبادر بالصلح بينه وبين زوجته فالأمر لا يحتاج سوى كلمة حلوة واحترام مشاعرها ولو بأشياء بسيطة كالشكر على تفاصيل الحياة اليومية البسيطة. وما المانع أن تبادر الزوجة بمنح زوجها نظرة عين تطالب بالسماح والغفران أو حتى التصريح بالاعتذار لو أخطأت في حقه تحت ضغط الظروف وتبادر بفتح صفحة جديدة؟ لماذا لا أتصل بصديقي الجيد وعشرة العمر وألتمس له الأعذار قبل أن أصر على مقاطعته أو عدم الرد على اتصالاته الهاتفية مثلا؟ لسبب تافه مثلا كان يكون قد ارتفع صوته في الحديث معي أو مازحني بشكل مبالغ فيه مثلاً وتحت وطأة الظروف النفسية الصعبة قاطعته تماماً ولم أبقِ على صداقته وكيف نخسر صديقا مخلصاً من أجل هفوة أو خطأ بسيط؟
فلا يمكن أن نحيا وحدنا في هذه الحياة ورب العالمين خلقنا شعوبا وقبائل لنتعارف، والأولى أن نراجع دفاتر ما فعلناه في أيامنا السابقة ونحاول صيانة وإصلاح ما أفسدته كورونا أو أي ضغوط عصبية أخرى تألمنا منها وعشنا فيها جميعا بلا استثناء ونبعد من قاموس لغتنا مع الآخرين القسوة والإفراط في اللوم والعتاب وما يسمى بـ»قصف الجبهة» وكلها أشياء تمثل المسامير الأولى في نعش العلاقات الإنسانية مع الآخرين!