عبدالوهاب الفايز
عندما يقرب اليوم الوطني لبلادنا تعودنا أن نستذكر الجهد الكبير الذي بذله الملك عبدالعزيز، يرحمه الله، ونسترجع سيرة الرجال الذين قادوا مشروع الوحدة، وقرب هذه الذكرى الوطنية أعادتني لكتاب الأستاذ سليمان بن محمد الحديثي عن الأمير عبدالله بن عبدالرحمن الذي جاء تحت عنوان (الأمير عبدالله بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود.. سيرة وثائقية وتاريخية).
هذا الكتاب التاريخي الوثائقي، الذي يحمل ملامح من تاريخ بلادنا، تضمن الإشارة إلى الكثير من الوثائق والشخصيات والأحداث، سواء في ثنايا الحديث عن الأمير عبدالله بن عبدالرحمن، يرحمه الله، أو في عرضه للمراجع والمذكرات التي عاد إليها الباحث حيث شكلت إضافة معرفية مهمة، لأنها تأخذك إلى مذكرات وكتب ومخطوطات تحتويها مكتبة الأمير عبدالله.. تلك المكتبة التي كانت أحد مصادر المعرفة للنخبة وطلاب العلم في الرياض قبل نصف قرن.
هذا الكتاب رغم محتواه الواسع والمتنوع، قدم معلومات مهمة عن الأمير عبدالله بن عبدالرحمن الذي عاصر نشوء وتشكل المراحلة الأولى لبلادنا، فالشخصيات الوطنية القيادية، مثل الأمير عبدالله، تحتاج إلى جهود فكرية وبحثية لتدوين تجربتها وفكرها ورؤيتها للأحداث الوطنية والظروف والأوضاع العالمية، فتاريخ رجال الحكم والدولة الذين كانوا قريبين من المؤسس الملك عبدالعزيز، يرحمه الله، تاريخهم هو تأريخ بلادنا، تاريخ هذا الكيان العظيم الذي الذي نعيش فيه، وننعم بمعطيات وحدته واستقراره، ونرى كيف يجدد حيويته ويفرض حضوره وأهميته في عالمنا المعاصر.
وقف المؤلف عند عديد من الجوانب التي تميز بها الأمير عبدالله بن عبدالرحمن بالذات قربه من علوم الدين وسعة اطلاعه على المذاهب والمدارس الفقهية، والملك عبدالعزيز كان يعده (فقيه آل سعود)، وتلقى الدروس الدينية مبكراً، كما قاد الجيش الذي استعاد مدينة جدة، وكان له مشاركات عسكرية عديدة وقف عندها المؤلف وتوسع في توضيح أهمية الأدوار المتعددة التي قام بها إلى جانب الملك عبدالعزيز.
من الجوانب الحيوية في شخصية وسيرة الأمير عبدالله بن عبدالرحمن ولعه بالعلم والعلماء، واهتمامه بالتاريخ وشؤون السياسة والقضايا الدولية، وحرصه على الاطلاع على الكتب الحديثة والمخطوطات التاريخية، فهذا من الملامح الأساسية التي شدت إليه النخب الفكرية والثقافية والسياسية والاجتماعية التي صادقها، أو تعامل معها، أو قابلها في الرحلات العديدة التي صحب فيها أخاه الملك عبدالعزيز، أو الملك سعود والملك فيصل.
في الكتاب تقف على ما يؤكد أن الرجال الذين كانوا حول الملك عبدالعزيز تميزوا بالحلم والحكمة والمعرفة التي ترد على من استخدموا (أساليب الحرب النفسية والفكرية) للتقليل والتهوين من مشروع تأسيس بلادنا حيث وصفونا حينئذ بالجهل والتخلف. نقل المؤلف رأي وانطباعات (عبدالله فلبي) عندما التقى الأمير عبدالله وهو لم يتجاوز العشرين من عمره. لقد أعجب فلبي بشخصيته ووجد عنده (ثقافة متميزة وكان على علم بالشعر العربي القديم وبتاريخ بلاده). كذلك لفت انتباهه حديثه عن العلاقة بين بريطانيا ونجد، وأخبره (أن كثيراً من المخطوطات الشعرية والأعمال الدينية ما تزال في حاجة للبحث والتنقيب في مكتبة والده ومكتبات كثير من العلماء).
وهذه البيئة التي تضم مكتبات للإمام عبدالرحمن الفيصل، رحمه الله، وللعلماء في نجد تؤكد أن بلادنا لم تخرج وتنشأ من فراغ علمي ومعرفي تام، بالذات في حقبة تأسيس الدولة، ففي الكتاب تقف على حراك وتفاعل علمي وأدبي، فالحوارات والنقاشات بين الملك عبدالعزيز والرجال الذين حوله مع النخب الفكرية والثقافية كانت عميقة وجريئة وتتناول موضوعات واسعة، مثل حوارات الأمير عبدالله مع النخبة في مصر أثناء زيارة الملك عبدالعزيز لها حيث كانت وقتها تشهد أكبر نهضة فكرية وثقافية في العالم العربي.
نتطلع دوماً إلى الكتب التي تؤرخ لسيرة الرجال الذين تركوا بصماتهم على تأريخ بلادنا، ونتمنى تواصل جهود الباحثين والمؤرخين، مثل جهد الأستاذ سليمان الحديثي، لتدوين التاريخ الواسع لبلادنا، خصوصاً تدوين جهود ومسيرة القيادات التي كان لها الدور الإيجابي في تكون الدولة وتبلور مشروعها. لقد بذل كثيرون جهدهم وفكرهم لمساندة الملك عبدالعزيز، وما قاموا به جميعاً هو تاريخ جدير بالتقصي والتدوين.. حتى تعرف الأجيال المعاصرة والقادمة حجم الجهد والتضحيات التي بذلها هؤلاء الأجداد لتوحيد بلادنا.