عبده الأسمري
في زمن مضى كنا نرى الثراء الفاحش يهيمن على فئات وتحديداً فئة المسؤولين الذين يتقاعد بعضهم ليقيم في «قصر» على مساحة فاخرة من مدينة رئيسة وإن كانت مهمته في طرف من البلاد تجده قد بنى استراحة مطلة أو فيلا بارزة وقد توجه البعض إلى توزيع كعكة المنصب على أبنائه فالبعض جني وظيفة مرموقة دون عناء وآخرون وضعوا أيديهم على عروض التجارة وحتى النساء بتن من سيدات المجتمع وممن يلاحقونهم «الباحثات» عن الواسطة للشفاعة.. لذا فقد عانت التنمية سابقا من تسلط «مؤلم» ونفوذ «بائس» صنع المصالح وكبر الأرصدة في وقت كانت الرقابة فيه على المال العام «مهمة موسمية يحتاط لها «الكبار» وتوضع لها الاحتياطات اللازمة التي تنتهي بمكافأة مشتركة أو فساد مؤدلج لمهمات قادمة.
أنى لكم هذا؟ إذا كان هنالك مسؤول يتقاضى راتباً شهريا ًمن 30 - 40 ألف ريال أو آخر وصل مرتبه الشهري إلى 60 أو 80 ألف ريال ونراه يمتلك عقارات تراوح قيمتها بين عشرة وعشرين مليون ريال ونجد سلالته يتوظفون أسرع من غيرهم ونلحظ أن اسمه وأسهمه تتردد في اتجاهات التجارة في مدينة المسؤولية فماذا يعني ذلك.. وإذا ما اقترن الأمر بفساد جلي في أبعاد مهمته وثنايا صلاحياته فإن الأمر سيدخل بالتأكيد في مجال الشكوك وحيز الشبهة لذا خرج من باب المناصب من يحمل أوزار الأمانة ويجهز حقائب الغلال ماضياً إلى حيث التقاعد المأمون بسياج النسيان وبقى البعض يستلم من شلة المفسدة ما يتبقى من قسمة الخطيئة بحكم صلاحية سابقة كانت سبيلاً إلى ثراء مشترك ونحو خوف مستديم وثقة مهتزة دائما ما تكون عنوانا بارزا يجمع أطراف الفساد.
السجلات المشبوهة كثيرة وكانت الحملة على الفساد في عهد الملك سلمان وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان استراتيجية وطنية مثلى لردع الفاسدين الذين كانوا يؤصلون جذور الفساد منذ سنوات ويتفنون في الإمعان بالتحايل ووضع كل الخطط لتمرير الخداع على الأجهزة الرسمية
في وقت فائت كان الشخص يخشى ذكر أسماء «فاسدين» بصفاتهم وهيئاتهم.. وظللنا لزمن نجنى سوءات فساد متعدد الاتجاهات وكان البعض يراه ويغمض العينين وكان بعض المسؤولين يجهز الحيل لذر الرماد في العيون مع أي مساءلة متوقعة أو مفسدة حاضرة.
يرتبط الفساد عبر التاريخ بنظام «الشلل» وتنظيمات «المخصصات المالية» ويخضع إلى سلطة «الصلاحيات الكاملة» الخالية من المراقبة ويشيع إذا مرت عليه السنون وهو ينمو وتتوسع خلاياه «الخبيثة» في جسد الأوطان لينهش من خيرات البلاد ويقتص من حقوق المواطن.
ملفات الفساد عديدة.. ومنعطفات المفاسد تتشكل كالمتاهات ومفاتيح «الحقائق» تبقى ألغازا لا يحلها الا «مفسد» اعتاد قلبه المريض أن يمارس «مفسدته» وأن يطمس كل معاني «النزاهة» وأن يخالف كل مسلمات «الأمانة»..
ظهر المخفي من دهاليز الفساد بعد أن انتشلت الدولة الأموال من «قبو» المفاسد المظلم.. خرج للعيان ذلك الحق المهدر من المال الحكومي وبرز للجميع ذلك العطاء المسروق من المخصص التنموي..
الفساد أزلي والكساد عميق.. هنالك سجلات مشبوهة سابقة وأخرى حاضرة وسنرى «العجب» في أخرى قادمة.. بيننا فاسدون يختبئون بيننا وآخرون نجوا بفعلتهم من العقاب.. سؤالي هل نرى منهم من يأتي ليقدم الاعتذار لقيادته ووطنه.. سيكون الأمر نادراً والأغلب معدوماً ولكن نحتاج إلى ثقافة وطنية جديدة وحصافة إنسانية متجددة تجعلنا جميعا في كتيبة الحرب على الفساد وعلينا أن نكون جنوداً مجهولين في حماية وطننا ومقدراته ونصيحتي لكل فاسد يقرأ كلامي ويراقب التطهير من المفاسد ويرتقب العقوبات على الفاسدين.. أن يكون شجاعاً ليهزم الخطايا ويدحر الأخطاء وأن ينقي صحيفته وينظف ماله من سوءات السلب والسطو..
ابحثوا فقط في السجلات المشبوهة.. والأرصدة المشوهة.. هنالك كثير من المفاسد في تاريخ «مسؤولين» سابقين تنحوا جانباً بتقاعد رسمي أو مبكر أو مغادرة المنصب بعد أن ملأوا جيوبهم وكدسوا ثرواتهم.. لا بد من انتفاضة لكشف المزيد من المفاسد.. وتنقية «المخصصات» من عبث الأيادي الموبوءة بالسرقة وحماية «الموازنات» من خبث القلوب المملوءة بالباطل.
كلنا درع في وجه الفاسدين وجنود في كتائب النزاهة الوطنية.. والأمانة البشرية التي توجهنا الى حيث «المساواة» وتنقلنا إلى حيث «التساوي» بين الجميع..
** **
abdualasmari@hotmail.com
@Abdualasmari