د. حسن بن فهد الهويمل
ذلك شأن المهزوم، وخليقة الضعيف. قطيع الغنم في الحظائر تجتالها الذئاب؛ فتضطرب، وتثير الأتربة، ويعلو الثغاء. وعندما تبرح الذئاب بفرائسها تعود إلى سكينتها، واجترارها. وكأن شيئًا لم يكن.
والأمة المهزومة تهتاج أمام النوازل، ويرتفع صوت الإنكار، والرفض، ثم تعود إلى سيرتها الأولى، بانتظار ما سيأتي.
ليست أمتنا وحدها في تلك الخلائق، إنها سُنة التداول، والتدافع.
لقد دفع (الغرب) أغلى الأثمان ليحقق لنفسه الفوقية، والهيمنة، صنعته الحروب الموجعة، وقدم الملايين من القتلى، والمليارات من الخسائر التي لم يبلغ العربُ مُدَّها، ولا نصيفها.
مِيْزَتُه أنه استفاد من المصائب، بحيث رسم لنفسه خرائط طريق، حكم فيها العالم الثالث، واستغل خيراته، وتصرف في شؤونه، ورتب أمور العالم بحيث لا يستبد أحد، ولسان حال العالم الثالث يردد:-
آهِ مِنْ قَيْدِكَ أَدْمَى مِعْصَمِي
لِمَ أُبْقِيهِ ومَا أبَقَى عَلَيَّا
عالمنا الثالث تحكمه (أمريكا) و(روسيا) و(الاتحاد الأوربي). والحكم متفاوت، فمن دُوَلِهِ من أُرْخِي قَيده، وأعطي فسحة من الحرية، والمجالس النيابية، ومرد ذلك إلى نظام الحكم القائم، وتوفر الأعماق الدينية، والاقتصادية، والسكانية، ووجود المؤسسات النيابية.
ما أود الحديث عنه، وما له ارتباط بمنطقتنا العربية، حدثان:-
- تفجير لبنان.
- التطبيع مع إسرائيل.
بوصفهما الأحداث الأكثر إثارة.
القراءة لأي حدث مهم لن تكون بالضرورة بريئة. إنها محكومة بالخلفيات الثقافية، والانتماءات المذهبية، والطائفية.
ليس المهم تنوع القراءات، وتناقضها؛ المهم النتائج. وما يترتب على ذلك من علاقات بين الفرقاء تزداد فرقة، وحدة، وتنداح فيها المشاكل التي أسهمت في تخلف الأمة، وضياعها، وتشتت جهودها.
العدو يهمه أن تظل الأمة في جدل عقيم، يطيل أمد التيه، ويُذْهِبَ الريح.
ما أضاع المصالح إلا الاهتياج الأعزل، والعنتريات الفارغة، والإيغال في التخوين.
لا شك عندي أن (التطبيع) من جانب واحد، وبدون أي شروط، مميع للقضية، ومفتت للجهود.
و(الإمارات) لم تكن بدعاً من الأمر؛ لقد طبَّع الفلسطينيون من قبل، وطبّعت دول عربية، وإسلامية؛ ومن ثم لا يجوز تخوين (الإمارات). لخطئها، نتحفظ على مبادرتها، دون المساس بسيادتها.
(المملكة العربية السعودية) لها موقف متوازن، بعيد عن العنتريات، والتشنجات، والمزايدات الرخيصة المكشوفة.
هذا الموقف يتفادى الاهتياجات الفارغة. والغريب أن القضية تردت، واضمحلت بسبب الممانعات الزائفة.
لو قبل العالم العربي بأول صلح لكان ذلك في صالح القضية.
(الصهيونية) تقبل بالحلول مكرهة، وتود لو عارض العرب، وهذا ما حصل. كل العرب يتمنون ما رفضوه من قبل، وحتى الاهتياجات الفارغة ستضر بالقضية، وستزيد من العناد.
لو عرف العرب أن المصلحة في الأخذ، والمطالبة، لكانوا أعزة، ولكانت القضية في أحسن أحوالها.
ولك أن تقول مثل ذلك في حادثة (التفجير) في لبنان. لقد قُرِئت على مستويات عدة، لكل حزب قراءة، ولكل طائفة قراءة. مع أن القضية واضحة كل الوضوح. والقراءة البريئة تنظر إلى الملابسات، والدوافع، والمصالح كافة. لا يمكن أن يحدث شيء من ذات نفسه.
التفجير الذي استهدف (الحريري) أخرج (سوريا). وأرجو أن يُخرج الأخير (حزب اللات) و(حزب الكتائب) لتعود إلى لبنان عافيته.
(لبنان) لن تعود له عافيته حتى يعود لأحضان الخليج، وحتى تحل الأحزاب المخلة بسيادته (حزب اللات) و(حزب الكتائب)؛ لأن الحزبين يمكنان للأعاجم، ويخونان القومية.
الحل الأمثل العلمانية، والمحاصصة، والقومية، وتلك لن تتأتى مع تسليح الأحزاب العميلة.
أمتنا رهينة الاهتياجات التي يعقبها هدوء العاصفة، ثم التسليم، والنسيان.