أحمد المغلوث
الفن التشكيلي - كما نعرف - فن من الفنون الجميلة المتعددة، مثله مثل النحت والموسيقى... إلخ. وكما قال الناقد الكبير «هربرت ريد»: يرتبط «الفن» في أبسط معانيه ومدلولاته بتلك الأشياء التي نميزها بأنها «فنون تشكيلية» أو «مرئية».
وفننا التشكيلي الذي ازدهر كثيرًا منذ التسعينيات الهجرية بعد اهتمام الرئاسة العامة لرعاية الشباب بفعالياته ونشاطاته كانت له جذوره، ليست المدرسية عندما بدأ التعليم النظامي في بلادنا في عهد المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود - طيب الله ثراه -، وذلك بتأسيس مديرية المعارف عام 1344هـ، عندما بدأت نشاطاته الفنية داخل المدارس النظامية، ولكنه كان له تاريخه العريق؛ إذ خدم الفن إنسان هذه الأرض الطيبة والمعطاءة منذ القِدم.. فكان الفنان الفطري في وطننا هو الأب الروحي لكل ما نشاهده من آثار خالدة، وثقها بفنه رسومًا في داخل الكهوف، أو على صخور الجبال، أو عبر منحوتات لا أروع ولا أجمل، نشاهدها في مدائن صالح «العلا»، وكذلك ما اكتُشف منها من منحوتات مختلفة في الفاو أو المدافن في مناطق مختلفة ومتاحف المملكة، تشتمل على نماذج منها.
والقارئ والباحث عن «ماهية الفن» أو الفنون بصورة عامة لا بد أنه قرأ في صفحات الفن التي تتحدث عن تاريخه في كل مكان، وفي العديد من دول العالم، ويكتشف عندها أنها لا تخلو من الإشارة إلى أهمية الرسوم على الجدران، حتى «الخربشات» الطفولية والنقوش على مختلف الأسطح. كذلك نجد أن الآلاف من الأواني الفخارية والحجرية المتوارثة أبًا عن جد زاخرة بالرسوم والعلامات أو الإشارات البسيطة المعبرة عن إبداع الإنسان الفطري في هذا البلد أو ذاك. ومن هنا يتضح لنا بصورة جلية وعميقة أن «فننا التشكيلي المعاصر» هو امتداد لفننا التشكيلي الخالد عبر العصور المختلفة، بداية من الحياة في الكهوف، وبعدها المباني الحجرية والصخرية والتشكيلات الزخرفية على قطع السجاد أو السدو أو حتى العباءات، أو الحلي والمجوهرات والملابس القديمة. ومن هذا يتضح لنا تأثر الفنان الفطري بمحاكاته لما يشاهده في الحياة والطبيعة؛ فأنت تجد الفنان الذي عاش بين بساتين النخيل والأشجار على اختلاف أشكالها وأنواعها.. تجده تلقائيًّا وعفويًّا، يرسمها بصورة مبسطة في رسومه المختلفة، سواء كانت على جدران الكهوف أو الأواني أو الفخاريات أو حتى على الجدران الصخرية والحجرية.. وهذا ما نشاهده في الأواني والأعمال التي عثر عليها رجال الآثار؛ وبالتالي هذا يعني لنا إشارات واضحة بل أكيدة إلى ما اتسمت به بلادنا من تاريخ وحضارة موغلة في القدم.
ولا شك بعد ذلك أننا نجد أن الفن التشكيلي في بلادنا تنامى يومًا بعد يوم ليصل في هذا العهد الزاهر إلى مكانة عالية، تناسبت مع مكانة «المملكة العظمى». ولا يمكن أن ننسى أو نتناسى دور كل الرواد الفطريين المجهولين، أو ما جاء بعدهم من فنانين أو حرفيين متميزين، توارثت الأجيال أعمالهم وصولاً إلى عصرنا الحاضر الذي يشهد طفرة فنية عظيمة بدعم من وزارة الثقافة وهيئاتها المختلفة الداعمة لمختلف الفنون.. التي لا يختلف اثنان على أنها أثرت هذا الفن بصورة فاعلة ومؤثرة، جعلته فنًّا يُشار له بالبنان في كل مكان وُجدت فيه أعمال مبدعينا في الداخل والخارج.
ولا بد مما ليس منه بد أن نشير بتقدير كبير لدور معهد «مسك» في هذا المجال وأكثر؟!
** **
almaglouth@yahoo.com