د.عبدالله بن موسى الطاير
أنهى الحزبان الجمهوري والديمقراطي مؤتمراهما الوطنيان وأعلنا من خلالهما مرشحيهما للرئاسة، فأصبح الرئيس ترامب الجمهوري، وجو بايدن الديمقراطي المرشحان الرسميان لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية في انتخابات 2020 . ومنذ هذا الأسبوع سوف تزداد ضراوة المنافسة، ونترقب المزيد من المفاجئات والفضائح وبعض التوترات الداخلية.
ربما لأول مرة يتحدث وزير خارجية في هكذا مؤتمر كما فعل وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، ولأول مرة تستخدم ساحة البيت الأبيض في مؤتمر الحزب الحاكم، ولكنها ليست الغرائب الوحيدة في هذا العام (2020)، فما زلنا نتوقع الكثير وبخاصة على الساحة الأمريكية. لقد نجح الرئيس في صناعة نكهة قبول الترشيح بإصراره على دعوة حوالي 1500 من مؤيديه، وهو ما لم يتمكن من فعله جو بايدن، فهل ستبقى اللحظة ماثلة في أذهان الأمريكيين يقارنون فيها بين رئيس مقدام، وآخر جبان في مواجهة الأزمات، ومنها كوفيد-19 . ليس من إجماع على أن ترامب بهذا الفعل شجاع، فهناك من يراه متهورا لا يبالي بالصحة العامة ولا يقدم نموذجا مسؤولا للشعب الأمريكي الذي يفتك به الفيروس.
الرئيس ترامب وفريقه والمتحدثون من الجمهوريين يستخدمون نظرية المؤامرة بفعالية على اعتبار جاذبيتها لعقول المحافظين، ويوغلون في تخويف الأمريكيين من شر قد اقترب فيما لو فاز بايدن بالرئاسة. ويركز الديمقراطيون على استعادة النظام السياسي وعلى مبادئ أمريكا والتعايش الذي عرفت به. رسالة الرئيس ترامب الانتخابية تبلورت مع الوقت في عبارات خطيرة منها: أنا في مقابل الفوضى، الأمن في مقابل الخوف، الأمريكيون البيض في مقابل الملونين من المهاجرين، المسيحية الإنجيلية في مقبل الإلحاد وبقية الأديان والمذاهب. الرئيس يريد الفوز برئاسة حتى ولو كان ذلك على أنقاض السلم الاجتماعي. إنه لا يتورع في وصم معارضيه بأعداء الأمة، والطعن في وطنيتهم، وتأليب عامة الناس عليهم، ولا يتورع أتباعه من المتدينين من اعتباره اختيار الرب.
الديمقراطيون في المقابل يقدمون أنفسهم على أنهم الأمل الوحيد لاستعادة دولة المؤسسات، وتضميد جراح الأمريكيين الذين يعانون من العنصرية المتواصلة والتي ازدادت حدة منذ وصول الرئيس ترامب للسلطة، وهم يتعهدون بإعادة السلم الاجتماعي والتعايش العرقي، والتنوع إلى الحياة الأمريكية، ومن ثم بناء الثقة بين جميع مكونات المجتمع. إنهم يتمتعون بخطاب عقلاني لا يستسيغه الشباب، ولا يبعث على الثقة في المستقبل، وقد تتزايد الفجوة بينهم وبين ناخبيهم بعد كل مناظرة تلفزيونية. يزيد من تهافت خطاب الديمقراطيين تردد مرشحهم في دعم الشرطة، التي تتمتع بمكانة عند الكثير من الأمريكيين رغم بعض تجاوزاتها، وأظن بايدن سيتجه للشجب العلني للتخريب، وسيدعم قوات الشرطة، ويتعهد بعدم المساس بمخصصاتها ومميزاتها.
الرئيس ترامب يحاول تقديم نفسه على أنه القوة في مقابل الضعف، والحزم في مقابل الانفلات. وخطابه خارج الصندوق يستهوي الكثير من الأمريكيين، ولكنه يخيفهم أيضا. ولا يتورع الرئيس ترامب في توجيه أقذع الأوصاف لمنافسه، فيما يتجنب بايدن ذكر ترامب بالاسم في الكثير من خطبه. مدرستان في أمريكا تتنافس؛ إحداهما تنتمي إلى النخبة السياسية التقليدية التي يمثلها ترامب، والثانية متمردة قادمة للسياسة من القطاع الخاص بما فيه من سرعة وانتهازية وميل لتهميش المؤسسة.
أزعم أنني متابع جيد للانتخابات الأمريكية منذ عام 1992، ولم أرى أهم أو أخطر من هذه الانتخابات؛ إذا فاز الرئيس الحالي فإنه سيكرس توجها جديدا في الحياة السياسية الأمريكية وهو الترامبزم Trumpism الذي سيعيد خلط أيديولوجيا الحزب الجمهوري وربما يقضي على الحزب ذاته. وإذا هزم فستتنفس السياسة الأمريكية التقليدية الصعداء وتستعيد سيطرتها.
صناعة استطلاعات الرأي جزء من اللعبة الانتخابية، ولكن سقوطها عام 2016 يجعل الثقة بها محل تساؤل في انتخابات 2020. يتقدم بايدن بثبات، بحسب استطلاعات الرأي، وأخذا في الحسبان الولايات التي تصوت تقليديا للديمقراطيين فإن عدد الناخبين الكبار الذين يمكن أن يصوتوا له يصل إلى 298 صوتا حتى تاريخ كتابة هذه المقالة في مقابل 80 صوتا للرئيس الأمريكي، علما بأن المطلوب للفوز بالرئاسة هو 270 صوتا. هذا البون الشاسع كان في الظروف العادية سيصنع الفرق في توقع ساكن البيت الأبيض القادم، لكن مجمل الظروف في هذا العام 2020 تجعل من المتعذر الوثوق بأية توقعات حتى تعلن النتائج الرسمية.