اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
الكبر هو أن يرى الإنسان نفسه أفضل من غيره متعالياً على الآخرين، لما يعتقده من عظمة في نفسه، مستحسناً ما فيه من الفضائل ومتجاهلاً الرذائل، بسبب ما يغلب عليه من الخلق الذميم الذي يدعوه إلى احتقار الناس والترفع عليهم والتقليل من شأنهم، متباهياً بماله أو جماله أو نسبه أو قوته وما في حكم ذلك، وقد عرفه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: «الكبر بطر الحق وغمط الناس» وبطر الحق يعني رده، وغمط الناس يظهر في إزدرائهم واحتقارهم، وقيل: هو استعظام الإنسان نفسه، واستحسان ما فيه من الفضائل والاستهانة بالناس واستصغارهم والترفع على من يجب التواضع له.
والإنسان مفطور على حب ذاته والاهتمام بها، حريص على تجميلها والرفع من شأنها، والمتكبر علاوة على هذا الشعور الفطري ينظر إلى نفسه نظرة مبالغ فيها إلى درجة أن ما يعلمه عن نفسه من نقص يغلفه بغلاف من التعالي الذي يجعل رذائله تتحول أمامه إلى فضائل يعتز بها نتيجة لأنه يصطلح مع نفسه عندما يجد من يعظمه ويوقره، ويتخاصم معها في حالة تجاهله والتنزيل من قدره، مزيناً لنفسه اتباع الهوى واجتناب الهدى.
والمصاب بداء الكبر يضطر إلى الخلق الذميم واقتراف الرذائل لكي يحافظ على ما يزعمه من عز وعلو قدر عن طريق قلب الحقائق والنظر إلى المساوئ على أنها محاسن، إرضاء لكبره ونزولاً عند تفكيره المزيف، كما تدفعه المكابرة والهروب من الواقع إلى التنازل عن الفضائل ليعّوض بذلك ما يشعر به من مركبات النقيصة، وما يمارسه من الممارسات الرخيصة للحفاظ على كبره وغروره، وما يعنيه هذا التصرف من أن الكبر شعور خادع للذات والواقع يتخذه الذي يشعر به مطية لرفض الحق وقبول الباطل، بالإضافة إلى أن هذا الشعور يفضي به إلى الكثير من الانحرافات والتجاوزات المتمثلة في احتقار الآخرين وسوء الظن بهم، والأثرة والحسد والكذب وسرعة الغضب والنرجسية والافتخار والرياء والمن وعدم قبول النصيحة وغير ذلك من الممارسات المنافية للدين والخلق السوي.
ومن الكبر ما هو كفر، ومنه ما هو معصية، فالأول هو التكبر على الله وعلى رسله، والثاني التكبر على الخلق ما دون الرسل، كما أنه يكون باطناً على هيئة خلق في نفس الانسان، ويكون ظاهراً على شكل اعمال تصدر من الجوارح، والباطن هو الأصل والظاهر يتفرع منه، ووجود المتكبر يستلزم وجود من يتكبر عليه والسبب الذي جعله يتكبر.
ومما يدل على خطورة الكبر وسوء عاقبته أنه أول ذنب أدى إلى معصية الله، حيث تكبر إبليس عن السجود لآدم فغضب الله عليه وأخرجه من الجنة ذليلاً حقيراً، وقد بين الله سبحانه وتعالى ذلك في قوله: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} الآية (50) سورة الكهف. ومن نتائج الكبر المدمرة أنه من الأسباب التي أدت إلى هلاك الأمم السابقة إن لم يكن هو السبب الرئيس لها بدءاً من قوم نوح ومروراً بقوم عاد وثمود وشعيب وانتهاء بقوم فرعون، علاوة على أنه يعد سبباً للكثير من المصائب المهلكة في الدنيا ولآخرة.
وخليق بالإنسان أن يكون له من تعاليم دينه وفطرته السوية وأخلاقه، ما يرشده إلى أن التواضع هو مفتاح كل خير ومغلاق كل شر، وعلى العكس من ذلك يكون الكبر الذي يتعين على العاقل ألا يكون له مكان في حياته، مبتعداً عن منازعة الله في صفته التي لا تنبغي إلا له، بوصف المتكبر اسم من أسماء الله الحسنى، وصفة من صفاته العلى التي يختص بها دون غيره، ولا يشاركه فيها أحد من خلقه، فهو المتفرد بالعظمة والكبرياء، ولا كبرياء لسواه، والخلق أمام كبريائه يعتريها الذل والانكسار، ومن انكسر لعظمة الله، وافتقر إلى ما عنده استقام حاله، وحالفه التوفيق في أقواله وأفعاله وحسن في الدنيا والآخرة مآله، وقد ورد في الحديث القدسي: «والكبرياء ردائي والعظمة إزاري، فمن نازعني فيها قصمته ولا أبالي».
وبعض الناس عندما يشعر بذل في نفسه، ويغلب عليه مركب النقص يلجأ إلى تغطية ما يحس به من ذل وتعويض ما يعانيه من نقص بشيء من الكبر، اعتقاداً منه بأن في هذا التصرف المشين والسلوك الممقوت ما يستر ذله ويكمّل نقصه، غائباً عن باله أن الكبر ابتلاء لا يرحم المبتلى به، ورذيلة يكره الناس المتصف بها بدون أن يسيء إليهم، ومرد عدم الرحمة والكراهية يعود إلى ما يوحي به هذا الخلق القبيح من النقص المخل والتصرف المذل، وقد قال: عمر بن الخطاب: ما تكبر أحد إلا عن ذلة ومهانة يجدها في نفسه
والمال والجاه والجمال والنسب والقوة وغيرها، مما يتفاخر به الناس ويتكبرون من أجلها، كلها لا محالة زائلة وإلى غير من يتباهى بها آيلة، فالمال ما هو إلا عارية يتمتع به الانسان اليوم وغداً لغيره، والجاه متى زال المؤثر زال الأثر والجمال سرعان ما يتحول قبحاً، والقوة مصيرها تنقلب ضعفاً، وهذا يعني أن المال يفنى والجسم يبلى والدنيا مآلها إلى زوال، وبالنسبة للنسب فيكفي للعزوف عن المفاخرة به أنه من أمور الجاهلية، ومن ابطأ به عمله فلن يسرع به نسبه، والكبر سبب لزوال النعم وحلول النقم وفساد القيم.