د. محمد عبدالله الخازم
أرحب بمعالي الدكتور محمد السديري نائباً لوزير التعليم للجامعات والبحث والابتكار، وأجدها فرصة لطرح رؤية - بعض مكوناتها سبق طرحه- حول برنامج الابتعاث السعودي وهو أحد الملفات التي ربما تكون ضمن أولوياته. ولأنها المرة الأولى أكتب في مجال يخص مجال عمل معاليه، أطلعه على قاعدتي الذهبية؛ أنا كاتب رأي، الكتابة قد تشمل تساؤلاً أو نقدًا لسياسة معينة لكن في النهاية أسعى للخروج بإضافة إيجابية. طالما هو رأي فلا يجوز لي ادعاء أفضليته، ونصيحتي للآخرين دائماً؛ لكم الاستفادة منه أو مناقشته أو إهماله، هذا حقكم. وحينما أخطئ فأنا سيد الاعتذار..
ألخص هنا رؤيتي بعيداً عن البيانات والطرائق الأكاديمية عبر محاور عدة؛ الفني/ النوعي، السياسات، الاقتصاد والإدارة، فلنبدأ بالمحور الفني. على مدى ثمانية عقود تقريباً بقي الابتعاث السعودي محصوراً في الحصول على درجات علمية وقليل من التدريب في بعض المجالات، كالطبية. استمر هذا الهدف عقوداً من الزمن. بمعنى نرسل المبتعث ليعود لسد شاغر وظيفي وعليه قلصنا الابتعاث للتخصصات التربوية والاجتماعية بحجة عدم وجود شواغر توظيفية فيها للخريجين، ولم نناقش مثلاً الحاجة النوعية والثقافية للابتعاث في تلك التخصصات. لم تتغير الفكرة حتى وجامعاتنا أصبحت تخرج أعداداً فائضة في جميع التخصصات. أهداف الابتعاث لم تتناغم مع أهداف تطوير التعليم العالي السعودي وبقي التعليم الجامعي منعزلاً عن تطوير الابتعاث، أللهم في مجال تخريج الأساتذة الذين سيسدون الشواغر الوظيفية كما أسلفنا. وبالتالي تكون أسئلتنا؛ هل هناك أهداف وأنماط أخرى للابتعاث؟ كيف يكون الابتعاث جزءًا من تطوير الجامعة السعودية؟
الهدف يجب أن يكون إتاحة الفرصة للشباب (من الجنسين) الحصول على خبرة دولية سواء تعليمية أو عملية وتدريبية أو بحثية في الدول المتقدمة. هذا هو هدف ابتعاث الأمريكان والكنديين والأوروبيين رغم تعليمهم المتقدم وغالباً ما يتم عبر برامج تبادل طلابية تتيح للمتميزين قضاء فصل أو فصلين أو أكثر أو أقل من دراستهم وتدريبهم وبحثهم في دول أخرى. لذلك أطالب بتغيير نمط الابتعاث لدينا ليصبح معظمه تبادلاً طلابياً بحيث يتاح لطلاب الجامعات السعودية المتميزين التنافس على قضاء فترات دراسة أو بحث أو تدريب في الجامعات والمؤسسات العالمية ذات العلاقة، والأمر يتطلب هنا إعادة فكر الجامعات السعودية في موضوع التعاون الدولي والتبادل المعرفي. لن نلغي الابتعاث للحصول على درجات علمية، لكن نقلصه وفق احتياج الجهات ومنها الجامعات التي تحتاج ابتعاث منسوبيها للحصول على الشهادات العليا أو وفق آلية تدعم النوابغ فقط للحصول على البعثة. بدلاً من أن نبعث 50 ألف طالب يقضون ست أو سبع سنوات للحصول على درجة جامعية يمكننا بعث 300 أو 400 ألف للحصول على خبرة دولية بنفس التكلفة، وبمشقة إدارية أقل. طبعاً، لست بحاجة لشرح عوائد ذلك ليس فقط على الطلاب، بل على الجامعات السعودية نفسها حيث فتح آفاق التعاون الدولي يرتقي بمستوى طلابها وتفكيرهم، وعودتهم لها بخبرات دولية يستحثها للارتقاء بتعليمها. وبفوائد أخرى ليس المجال التوسع فيها. تذكروا أن التعاون الدولي للجامعات السعودية يعد متواضعاً جداً..
يتبع في مقال قادم