د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
تحيطنا محفزات عليا نحو النزاهة الكاملة في حاضرنا ومستقبلنا -بإذن الله- حينما تتوارد رسميًا أخبار الوصول إلى الفساد في مواقعه بين الحين والآخر؛ ونعتبر كل خبر تبثُه الجهات المختصة عن أنباء الإطاحة بمواقع الفساد وصانعيه؛ نعتبرها لبنات متينة في مستقبل النهوض الذي دلفت بلادنا أبوابه بفيض واسع! كما نبارك لبلادنا ذلك الوصول الغزير العادل الذي تمخضتْ عنه جهود القائمين على ذلك الاختراع السعودي العظيم (محاربة الفساد) لما توشحتْ بلادنا أوسمته في زمن وجيز منذ انطلاقتها نحو صناعة النزاهة،، ونؤمن جميعًا أن البناء المؤسسي المحكم تنظيميًا وإداريًا يتحول إلى كتلة داعمة للسياسات التنموية العليا؛ ولأن الفجوات الرغوية في البناء التنظيمي تؤدي إلى هشاشة النتائج ودخول ضعاف النفوس وذوي الضمائر الهشة إلى ساحات ذلك الكيان، فقد اختطت قيادتنا مشروع الخلاص من الفساد يقينًا أنه استثمار حقيقي في هيبة النظام عامة وفي ترقية الثقة بمؤسسات الدولة؛ وقيادتنا الرشيدة تعمل من مبدأ الإصلاح والصلاح؛ وذلكم تشريع إسلامي قامت عليه حين تأسيسها، وكان ذلك المنهج -بتوفيق الله- من مقومات انتصار الإرادة السياسية في بلادنا؛ وتواترت في عهدنا الجديد النماذج الفريدة لقيادة التنمية واستصدار مراسيمها تأسيسًا على استزراع الإصلاح والأمانة في كل موقع تنموي، وترقية مبدأ النزاهة ومفهومها إلى مرتبة السلطة العليا فيما يتعلق باختلاس المال العام والاستخدام غير الأمثل للموارد المالية، وبلادنا -بفضل الله- ذات كنوز وركاز! ومن أشكال الفساد الجنوح في استخدام النفوذ والسلطة، واستغلال ثقة ولي الأمر للقفز على القانون؛ وتعطيل المصالح الوطنية العامة وتغييب الأمانة، والتهاون في المسؤوليات ودفن الضمائر خلف الأروقة الخلفية التي يُمارس فيها الفساد؛ ولو سردنا صور الفساد فهي تراكمية ممتدة تحتاج إلى أضابير، وموجزها أن الفَسَاد المالي سلب إكسير الحياة التنموي؛ والفساد الإداري في الجانب الآخر تبرعم وخلّف وراءه آلاف العاطلين، وغيَّب استفادة الوطن من العقول الناضجة! ولعمري لقد فلقها ملكنا سلمان وولي عهده -حفظهما الله- حتى أصبحت محاربة الفساد من سمات سياسة بلادنا المتينة التي اتكأت على نواتجها -بإذن الله- في صناعة الاختلاف المحمود، والعالمية المستحقة، والحضارة الفوارة، والرخاء والاستقرار والسلام، والسير نحو بيئات سعودية آمنة، كما أنها وميضٌ أخضر لسلطة الداعمة في إشراقات السياسة في عهدنا الجديد، وبدأ أوارها الشجاع يلتف حول كل مواقع الفساد ومنصاته البالية التي حسبناها منيعة حين نخرتْ فينا عهودًا! واستمرت عمليات الغربلة والتطهير لكل أجهزة الدولة بتوجيه من قمة الدولة وحاكمها، وحتمًا فإن إصلاح الجهاز الداخلي في الدولة كياسة وقوة وقدرة، ولو رجعنا للواقع فقد مرق الفساد وتغلغل إلى جل مفاصل الأعمال واحترب القوم حول حقوقهم من مكاسبه المشبوهة، وأصبحت النفوس المريضة تجد من بنيات الطريق ومن موالج الشر ما يجعلها توغل إلى أهدافها، وعندما يستوطن الفساد بيئات الأعمال فإنه بقدرة فاسد يُشرْعن في حال داخل منسوبي تلك البيئة الشك والريبة فتكون النتيجة الواضحة أن جل الفساد وصوره المنتشرة في بعض المؤسسات تتكئ على أنظمة طوّعها المفسدون ليغرفوا دون وجل؛ حيث يلتف الظلام في حواضن الفَسَاد؛ وإذا ما أراد المفسدون ترقية الفساد فيكفيهم أن يجعلوا مهام العمل في المؤسسة تعرّج نحو مسارات ليست من اختصاصها أو ميدانها؛ وهذا ما يؤكد أهمية التعاضد الإصلاحي بين الهياكل التنظيمية وما يعانقها من المهام؛ وبين ما يؤدى فعلاً داخل المؤسسة، وفي عهود الفساد مُنيتْ البلاد بتفشي وباء التستر، أو ما يُطلقُ عليه الاقتصاد تحت الأرض، ولكن العين البصيرة تسمع وترى؛ فمما مضى تراجعتْ مؤشرات التنمية التي تعلنها الجهات المختصة ويرصدها المقايسون في الداخل والخارج، وانحسار كفاءة الأعمال وانتشار الوهن والضعف المعرفي وتقاصر الحافز الوطني في المخرجات من الموارد البشرية، إضافة إلى إجهاض القوانين والأنظمة التي تؤسس لتلك الأعمال، ومن هنا فلا عجب من انتشار تلك الثقافات العفنة التي تحيط بمفهوم الفساد في المؤسسات إلا من رحم ربي!
وختامًا، فنحن -ولله الحمد- نتفيأ الآن ظلال النزاهة وعهود ترقى للانضباط الإداري؛ ومحفزات تنموية نحو التكامل الاقتصادي، كما نرى في آفاقنا تعزيزًا وتحفيزًا للإدارات التنفيذية ذات المنهج القويم، فيسعدنا أن تكون تجربة بلادنا الناجحة في محاربة الفساد مرصدًا للبحوث والدراسات لتطوير مسارات التجربة والنهوض بأبوابها القائمة، ولابد للمشهد التعليمي أن يتضمن محتويات تعليمية ممنهجة لرفع البناء الفكري لأجيال المتعلمين واستثمار الذكاء الاصطناعي والتقنية الرقمية في دعم الجهود وضبط تدفق المعلومات عن واقع الأعمال؛ كما أن الدور المساند للقطاع الخاص كشريك مؤتمن وفاعل يعزّز ترسية قواعد النزاهة في بيئاته لخدمة الناس.. والإعلام ومنابره ومنصاته رافد مؤثر كبير في استراتيجية صناعة النزاهة ومحاربة الفساد، فهل للإعلام من شفعاء فيشفعوا له!