مادة بناء الأسوار هي الحجارة والطين، وقد يُخلط الاثنان معا. يُعتنى بمتانة الأسوار وسمك جدرانها لئلا تكون عرضة للاختراق. وقد تعزز بخنادق حولها تملأ بالماء كما هي الحال في سور بلدة الأفلاج التقليدية. وتعزز قدرتها الدفاعية بالأبراج التي عادة ما تكون في أركانها، وقد توجد عند نقاط عديدة على طول امتدادها.
الحجارة: من المؤكد أن مادة الحجارة هي أقدم مواد البناء المستخدمة، إذ إنها مثلت مادة البناء في أقدم الأسوار المكتشفة في المملكة العربية السعودية مثل سور قُريّة وسور تيماء في منطقة تبوك في شمال غربي المملكة العربية السعودية. وعلاوة على الأسوار، استخدمت مادة الحجر في أقدم المنشآت التي عرفها الإنسان في الجزيرة العربية مثل ما وجد في المقابر الركامية والدوائر والمذيلات الحجرية والقلاع والأبراج الجبلية. ومن الواضح أن الإنسان لجأ إلى استخدام الأحجار نظراً لتوفرها تلقائياً في بيئته، وسهولة قصها من المقالع الحجرية عن طريق غرس الأوتاد الخشبية وإشباعها بالماء، وقوتها عند المهاجمة وسهولة تحريكها عند البناء.
في بداية الأمر، وخلال فترات الضعف، استخدم الإنسان الأحجار دون أدنى معالجة. كما أنه لجأ إلى استخدام الصفائح الحجرية الضخمة في بنائها، وربط الأحجار عن طريق تعشيقها وساعده على ذلك استخدام أحجام مختلفة وأشكال متباينة وتكميلها بشظايا أصغر حرصاً منه على الحصول على القوة والمتانة والمقاومة لكيلا يكون في وسع المهاجم تدميرها حتى ولو قام بهدم جزء منها. فلكونها متداخلة يبقى بعضها يسند بعضا، ويثقل بعضها بعضا، وهذا يمنع انهيارها بسهولة. والدليل على ذلك بقاء سور موقع قُرّية حتى يومنا الحاضر، وسور موقع تيماء الذي رجحت حفريات البعثة السعودية-الألمانية الحديثة أن إنشاءه كان في بداية الألف الثاني ق.م.
ويختلف عرض الأسوار المبنية بالحجارة من سور إلى آخر، فعلى سبيل المثال نجد أن سور موقع قُرّية يصل في عرضه إلى ما بين المتر والنصف والمترين تقريباً. بينما نجد أن عرض سور تيماء يتجاوز المترين ونصف المتر في بعض الأماكن. وتُشيد للأسوار أبراج إما أن تكون تعلو مداخل البوابات وتصبح نقطة مراقبة لمن يقبل نحو البوابة، وأحيانا تكون الأبراج على امتداد السور في نقاط متباعدة يُراعى عند اختيارها البعد الأفقي للرؤيا البعيدة، وأحياناً تكون في الأركان. وفي هذه الحالة قد تكون مصممة بدرج داخلي ملتف يمكن من الصعود إلى الجزء الأعلى.
استخدمت المظاهر الطبيعية في تعزيز متانة الأسوار، مثل استخدام طبيعة الجبال والكتل الحجرية التي يستخدمها مهندس الإنشاء لأغراض إنشائية وعملية تخطيطية في وقت واحد. ومن خير الأمثلة على هذا التسخير سور قصر مارد في الجوف. ولوحظ في بعض الأسوار القديمة استخدام نوع من المؤنة لربط كتل الحجارة وخاصة في سور قُرّية، كما لوحظ استخدام المؤنة الطينية في ربط الأجزاء السفلية من سور تيماء.
الطين: من المواد الرئيسة التي استخدم الإنسان في عمارته القديمة فهي متوفرة في الطبيعة وسهلة المنال، ولذا استخدمها الإنسان منذ بداية استقراره في الأكواخ لتبطين جوانبها وسطوحها لمنع تسرب السيول إلى داخلها. وعليه، فإن معرفة الإنسان بهذه المادة قديمة واستخدامها في بناء مواقده وأحواضه، ثم بعد ذلك بدأ في استخدامها في بناء الأسوار عندما استقر وأقام في الألف الخامس ق.م. ولكن ليس لدينا شواهد مادية من شبه الجزيرة العربية تدل على استخدام هذه المادة خلال ذلك البعد الزمني نظراً لعدم اكتشاف أسوار تؤرخ بالألف الخامس ق.م.
استخدم الإنسان الطين بطريقة العروق الطينية في بدايته كمادة مجردة في بناء مساكنه وأسواره ثم أدرك الحاجة إلى تقويتها بمادة أخرى فأضاف إليها مادة أعواد القش أو التبن المدروس. وتتميز طريقة البناء بالعروق الطينية بالمتانة إذ يصبح السور مترابطاً وكأنه كتلة واحدة، كما أنها أسرع في إنجاز البناء ولا تحتاج إلى مواد رابطة. فهي بحد ذاتها مادة رابطة ومادة بناء في وقت واحد، كما تتميز بقوة التحمل إذ إن الأثقال تتوزع على كتلة متماسكة على خلاف البناء بالطوب الذي يتكون من كتل متعددة بينها نقاط ضعف تتمثل في الفراغات الواقعة بين كتل.
ومع مرور الزمن، وجد الإنسان أن استخدام الطين في صناعة الطوب الطيني بمقاس متماثل أنسب من الناحية الانتظامية والشكلية لبناء المبنى، إذ إن استخدام الطوب يقتضي أن يوجد البنّاء نموذجا بقياس محدد يصنع من خلاله ثم يستخدمه في البناء فلا يحدث عندئذ ميلان في الجدران، لأن قياس الطوب المحدد رسم خط البناء من أسفل الجدار إلى أعلاه. واستخدمت قياسات مختلفة للطوب، فهناك الطوب الكبير والمتوسط والصغير. ومن حيث الشكل، يوجد الطوب المربع والمستطيل والمقبب. واستخدمت المادة المساعدة في ربط الطوب من مادة الطين الذائب المقوى بأعواد القش. وتكسى جدران الأسوار بملاط طيني قد يكون مختلفاً عن مادة البناء ومعتنى بإعداده باهتمام أكبر نظراً لكونه هو العنصر الأول الذي يقابل السيول والحرارة وتآكل الرياح عن طريق النحت ودفع الأمطار، ولذلك أعطاه البنّاء اهتماماً خاصاً في البناء من حيث القوة التي مصدرها اختيار محجر الطين المناسب، وإضافة العوامل المساعدة المناسبة التي تكون في الغالب من أعواد القش متوسطة الحجم أو من أعواد التبن لتزيد قوة وتماسك الطوب.
** **
- أ.د. عبدالعزيز بن سعود الغزي