إعداد - خالد حامد:
أثار كتاب جون بولتون (في الغرفة التي شهدت الأحداث) جدلاً من خلال قوله: إن الرئيس ترامب لم يكن يُظهر اهتمامًا يذكر بتفاصيل السياسة الخارجية. وفي مقابلات عدة معه وصف بولتون الرئيس بأنه «غير كفء». وردًّا على ذلك وصف ترامب بولتون بأنه «أحمق»، و«ممل».
لكن تحت السطح هناك المزيد من التوتر بين بولتون ورئيسه السابق؛ إذ يمثل الاثنان وجهات نظر متعارضة حول الدور المناسب للولايات المتحدة في العالم.
مثل العديد من المتخصصين في السياسة الخارجية، يريد بولتون من الولايات المتحدة العمل بشكل أكبر على مستوى العالم، والانحياز إلى جانب في صراعات الشعوب الأخرى، وضمان هيمنة المصالح الأمريكية.
على عكس ذلك، هناك وجهة نظر الرئيس ترامب، التي تم التعبير عنها بشكل بارز في خطابه يوم 13 يونيو الماضي في (ويست بوينت) عندما قال: «نحن ننهي عصر الحروب التي لا تنتهي». وبالفعل، تظهر وجهة النظر هذه أيضًا في هجمات ترامب على بولتون قائلاً عنه: «بولتون يفضل إلقاء القنابل على الناس وقتلهم».
أنا على يقين أن بولتون يفضل وصف وجهة نظره بـ«المشاركة الذكية التي تقوم على المصالح الأمريكية، والاهتمام بالعالم».
الاهتمام بالآخر يعد فضيلة، لكن عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية من الشائع جدًّا أن يقوم الخبراء والمعلقون بالضغط من أجل مزيد من الاهتمام أو الإجراءات بشأن أي عدد من القضايا. ومع ذلك، من الغريب أن عدم الاهتمام قد يكون أهم أرصدة أمريكا التي لا تحظى بالتقدير الكافي.
وعلى الرغم من عيوبه العديدة كقائد، يبدو أن الرئيس ترامب يفهم هذا الأمر بشكل غريزي.
لقد أبدت الأمم تاريخيًّا اهتمامًا كبيرًا ببعضها البعض، وسعت كل حضارة تقريبًا إلى التدخل في شؤون جيرانها. وفي كثير من الأحيان يصبح هذا التدخل افتراسًا، بل غزوًا. تعتمد النظريات الأساسية للعلاقات الدولية على افتراض أن التدخل جزء لا يتجزأ من سياسات الدول، وفي ظل تلك الفوضى لن توجد أمة آمنة ما لم تعمل على تعريض أمن الآخرين للخطر. وهذا أمر مؤسف للدول القوية؛ لأنه يخلق «معضلة أمنية» تجبر الدول على أن تتسلح لحماية نفسها؛ وهو ما يشكل بدوره خطرًا على الآخرين.
الوضع أسوأ بالنسبة للضعفاء، الذين يجب أن يجندوا رعاة لحمايتهم، أو يتحدوا معًا «لتحقيق التوازن» مع الدول القوية.
لقد توقعت أصوات مؤثرة حدوث توازن في أعقاب الحرب الباردة، ولكن بعد انهيار الاتحاد السوفييتي اختارت معظم الدول التعاون مع الولايات المتحدة.
نحن لا نهتم كثيرًا بـ«السيطرة» أو التدخل في الخلافات الصغيرة بين الدول الأخرى، ولا نتعطش للحصول على ممتلكات استعمارية. ومهما كانت أخطاء أمريكا - وهناك الكثير منها - يمكن الوثوق بالأمريكيين بأنهم لن يطمعوا في أراضي الآخرين.
هذه الحقيقة مفهومة جيدًا لدرجة أن الدول الأخرى اختارت عدم إحداث توازن مع الولايات المتحدة، على الرغم من المخاطر التاريخية. يمكن الوثوق بأمريكا؛ لأن الأمريكيين كانوا غير مهتمين معظم الوقت، على الأقل عندما ينعمون بقادة أكفاء.
غالبًا ما يتم النظر إلى هذه الفضيلة الأمريكية المتمثلة بعدم الاهتمام بشكل سلبي. ومع ذلك، فإن مقاومة التدخل العسكري تنبع من الرغبة الصحية في العيش والسماح للآخرين بالعيش. لكن الأمريكيين أظهروا أنهم يستطيعون الاهتمام كثيرًا عندما تكون مصالحهم الأساسية على المحك.
إن الامتناع عن الانخراط في مغامرات أجنبية هو في الواقع سمة وطنية جذابة للغاية. وبالنظر إلى القوة الاستثنائية لواشنطن، من المريح حقًّا للكثيرين على مستوى العالم أن الأمريكيين لا يبدون اهتمامًا أكبر بشؤون الآخرين.
إن تفسير ضبط النفس الأمريكي، والثقة الناتجة منه والشرعية التي تلهمه، أمرٌ بسيط للغاية. لم يكن للأمريكيين أبدًا مصلحة شخصية ومباشرة في الأمور التافهة في بقية العالم. وفي نهاية الحرب العالمية الأولى، بينما سعت القوى المنتصرة الأخرى إلى تفكيك ألمانيا وحلفائها، قدَّم الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون مبادئ الهوية الوطنية والحرية المصممة لضمان ألا يشهد العالم تكرارًا لـ«حرب لإنهاء جميع الحروب».
في أعقاب الحرب العالمية الثانية قبلت الولايات المتحدة على مضض دورًا أكبر في الشؤون العالمية؛ ويرجع ذلك في الغالب إلى أن الاتحاد السوفييتي لم يكن يبدو غير مهتم بما يكفي. كانت هذه الجهود ناجحة إلى حد كبير؛ لأن الدول التي كان لها حرية الاختيار فضلت النموذج الأمريكي على السوفييتي.
كان أحد العناصر الأساسية في استراتيجية الولايات المتحدة هو عدم وجود مصلحة مباشرة في الانخراط في تفاصيل النزاعات المحلية. لم تسعَ الولايات المتحدة إلى السيطرة أو الهيمنة أو الإملاء. بدلاً من ذلك، كان الهدف هو خلق شركاء آمنين ومزدهرين، تجعل اقتصاداتهم أمريكا غنية والعالم ينعم بالسلام. وفي الوقت الذي قام فيه السوفييت بتنصيب حكومات من الدمى دافعت أمريكا عن حق تقرير المصير للدول.
إنّ عدم الاهتمام بتفاصيل السياسة المحلية للدول الأخرى هو الذي جعل الولايات المتحدة جذابة للغاية كشريك، وضمن ألا تثير القوة الأمريكية الصاعدة ردود فعل قلقة عند الآخرين.
حاليًا، تتعرض السياسة الخارجية الأمريكية للنقد لأسباب عديدة، لكن قلة هم الذين يتهمون الولايات المتحدة بامتلاك مخططات للسيطرة على أراضيهم، أو السعي لنهب خيراتهم. نحن منشغلون بقضايانا، وهذه اللامبالاة هي ما تجعل أمريكا جذابة ومستقرة.
وبينما يجب على الأمريكيين أن يظلوا على دراية بالشؤون العالمية فإن إبداء الكثير من الاهتمام قد يقوض الصفة التي ضمنت شرعيتنا. في الواقع، تستمر المصلحة المفرطة للقوى الأخرى، مثل الصين وروسيا، في سعي معظم دول العالم للحصول على الحماية من القوة العظمى النزيهة.
** **
إيريك جارتزكي - أستاذ العلوم السياسية ومدير مركز دراسات السلام والأمن (cPASS) في جامعة كاليفورنيا حيث يعمل عضوًا في هيئة التدريس منذ عام 2007 - عن (ذي هيل) الأمريكية