د.شريف بن محمد الأتربي
لا أعتقد أن أحدًا منا لم يمارس لعب كرة القدم في صغره، أو أنه لا يزال يمارسها حتى الآن. تلك الساحرة المستديرة سلبت عقول المشاهدين، وشغلت بالهم على مدار مئات السنين، وما زالت تشغلهم حتى الآن. لقد كانت البداية الحقيقية والرسمية لهذه اللعبة الشعبية التي يمارسها أطياف المجتمع كافة في عام 1863م حين انفصلت كرة القدم عن كرة الرجبي، وتم تأسيس أول اتحاد لكرة القدم في العالم (الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم)، ومن ثم بدأت رحلة الانتشار السريع لهذه اللعبة؛ لتشمل بلدان العالم كافة. ولعلنا نكتشف في يوم ما حياة أخرى على كوكب ثانٍ، ونكتشف أيضًا أنهم يمارسون هذه اللعبة.
ومع بداية اللعبة لم تكن هناك إمكانية لتبديل أي لاعب حتى لو أُصيب، ومن ثم تدريجيًّا بدأت القوانين تسمح بالتبديل للجميع، بمن فيهم حارس المرمى. وعلى مستوى الحارات والمدارس كانت - ولا تزال - لعبة كرة القدم متنفسًا لشبابها وطلابها. ويمثل حارس المرمى في الفرق المتبارية أهمية كبيرة؛ إذ إن هناك مبدأ كرويًّا مهمًّا، يقوم على أنه ليس من الضرورة أن أحرز هدفًا، ولكن من الضروري ألا يدخل مرماي هدف. وهذا المبدأ جعل لحارس المرمى سلطة على الفريق، ربما لا تماثلها سلطة لأي لاعب في أي مركز آخر. وكان اللاعب الذي يقوم بحراسة المرمى مستميتًا في الدفاع عن مرماه، ومتحملاً مسؤولية الفريق كاملة، فإن فاز الفريق فقد فاز الجميع، وإن خسر يتحمل حارس المرمى أكبر مساحة من النقد والتوبيخ.
ومع إعلان معالي وزير التعليم الدكتور حمد بن محمد آل الشيخ آلية العودة للدراسة لعام 1442هـ، وأنها تنطلق عن بعد لجميع مراحل التعليم العام لمدة سبعة أسابيع، وعن بعد أيضًا للمقررات النظرية في الجامعات والتعليم الفني، وحضوريًّا للمقررات العملية، وذلك بعد التنسيق مع وزارة الصحة ووزارة الاتصالات وتقنية المعلومات وهيئة تقويم التعليم والتدريب وبرنامج تنمية القدرات البشرية، تبدلت الأدوار، وتغيّر حراس مرمى التعليم، وأصبح هناك حراس جدد، ربما كانوا يشاركون في الماضي في حراسة مرمى التعليم، ولكن كانت حراستهم على استحياء؛ إذ كان الحارس الأول والأساسي للفريق هو المعلم.
إن تولي أولياء أمور الطلاب والطلبة أنفسهم مسؤولية حراسة مرماهم ضد التعثر الدراسي، وانتهاجهم نهج الأسد في الدفاع عن مستقبلهم، هو أحد إفرازات التوجه نحو التعلم عن بعد الذي أصبح تطبيقه في هذا الوقت ضروريًّا حتى نتفادى حدوث موجة ثانية من الإصابات بفيروس كورونا، ربما تكون أشد قوة من الموجة الأولى التي استطعنا - بفضل الله تعالى، ثم بتوجيهات قيادتنا الرشيدة - أن نتفادها بأقل الخسائر البشرية الممكنة مع عِظَم الخسائر الاقتصادية المترتبة عليها.
إنَّ سياسة لعب الأدوار، وانتقال أولياء الأمور والطلاب من طور المشارك في العملية التعليمية إلى طور المسؤول، تحتم عليهم القيام بالعديد من الأعمال التي تجعل من الوصول إلى مرماهم وتسجيل الأهداف من الغايات الصعبة على المنافسين من رافضي التغيير والمتربصين بالمجتمع. ويعد دور أولياء الأمور خلال الأسابيع السبعة الأولى من الفصل الدراسي الأول للعام الدراسي القادم 2020 -2021 دورًا في غاية الأهمية، يعادل دور المدرسة كاملة؛ فهم مسؤولون عن حضور الأبناء حصص التعلم عن بعد، ومتابعة التحصيل الدراسي، والتأكد من قيام الأبناء بتسليم المطلوب. ليس فقط التسليم ولكن التسليم مع التأكد من صحة المطلوب، وكذلك التنسيق مع إدارة المدرسة في حال الرغبة في الاستفسار عن أي شيء عن طريق زيارة المدرسة.
ولعل الدور الأبرز والمهم لأولياء الأمور يكمن في بثهم الرسائل الإيجابية والتربوية في نفوس الأبناء التي تحفزهم على مواصلة رحلتهم التعليمية، والنهل من المعارف والمهارات بما يؤهلهم للالتحاق بالمرحلة الجامعية، ومن ثم الانطلاق نحو سوق العمل مسلحين بما كسبوه من هذه المهارات والمعارف.
أما حراس المرمى الجدد من الطلاب فقد أصبحوا جزءًا أصيلاً من العملية التعليمية، وأصبحت مسؤوليتهم كبيرة في الدفاع عن مرماهم ضد أي متربص أو متسلسل من خلف خطوط الدفاع الأولى الممثلة في الأسرة. فهؤلاء الحراس بات عليهم أن يكونوا أكثر مشاركة في العملية التعليمية، وأن يكون لديهم شعورٌ بالمسؤولية، وشعورٌ بالمواطنة. عليهم أن يكونوا أكثر تعاونًا من ذي قبل، وأن يكون لديهم روح المبادرة، والابتكار، وأن يتحلوا بنظرة الناقد، وهمة المساعد لزملائهم عبر أدوات التعلم الإلكتروني المختلفة.
أما حراس المرمى القدامى فقد بات عليهم أن ينقلوا للأجيال القادمة خبراتهم ومعارفهم التي اكتسبوها على مدار السنوات الماضية؛ فالمطلوب منهم أن يقوموا بدور الوسيط التعليمي والمنظم للتواصل في العملية التعليمية، وأن يكونوا مراقبين لتحقيق الأهداف، ومشخصين لحالات الضعف الدراسي، وأن يساعدوا في تصميم برامج خاصة لهؤلاء الطلاب، يقوم أولياء الأمور بتنفيذها داخل المنزل.
هذا إلى جانب دورهم في هندسة السلوك، وأن يكونوا ضابطًا البيئة التعليمية الإلكترونية، ومستشارًا للأسرة.
إن حراس المرمى الجدد لن يستطيعوا الذود عن مرماهم بمفردهم؛ فهم ليسوا على دراية بمكر وخداع المنافسين من جهة، ولا يملكون التربويات التي يملكها المعلمون وقادة المدارس من جهة أخرى؛ لذا فإن لعب كل من الحراس القدامى والجدد أدوارهم الجديدة سيكون عاملاً فارقًا في نجاح العملية التعليمية، وتحقيق الأهداف وبلوغ الغايات.