د. مساعد بن سعيد آل بخات
تتنافس الدول فيما بينها للتطور والتقدم في جميع الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والثقافية..إلخ، بما يُعلي من شأن أفراد المجتمع في جميع النواحي العلمية، والعملية، والصحية، والمالية، والمعنوية، وهذا كفيلٌ بجعل هذه الدول تمتاز بإحداث التنمية الشاملة في المجتمع ككل.
قد يتساءل البعض ما هو المقصود بالتنمية؟
التنمية هي:
عملية مقصودة ومخطط لها تتضافر فيها جهود الأفراد والمجتمع بمختلف مؤسساته (الأسرة، المدرسة، المسجد، وسائل الإعلام، النوادي الرياضية..إلخ) للحصول على نتائج إيجابية خلال فترة زمنية محددة.
وعادةً تهدف التنمية إلى تحقيق عدد من العناصر التي من شأنها أن تعود بالفائدة على الفرد والمجتمع، ومن هذه الأهداف ما يأتي:
أولاً: حُسن استغلال الموارد الاقتصادية المتاحة للدولة.
ثانياً: زيادة الدخل القومي للدولة.
ثالثاً: زيادة في متوسط نصيب الفرد من الدخل.
رابعاً: تحقيق الرفاهية والسعادة وإشباع الحاجات لجميع أفراد المجتمع.
خامساً: إحداث تغيير حضاري في جميع مجالات المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتعليمية والثقافية ..إلخ.
كما أنَّ للتنمية ثلاث مقومات أساسية تعتمد على توفرها في أي مجتمع لكي تتحقق التنمية به، وهي:
أولاً: مقومات بشرية (من أصحاب الكفاءات والإمكانات والقدرات العالية التي تُسهم في بناء المجتمع مثل: علماء، خبراء، باحثين، مفكرين، مثقفين، موظفين منتجين، أيدي ماهرة، ربات أُسر يغرسون في أولادهم حب الوطن والمشاركة في بناءه..إلخ).
ثانياً: مقومات مادية (من موارد الدولة المتنوعة التي يتم استخراجها من الأرض لتعود بالفائدة على الفرد والمجتمع مثل: نفط، غاز، صناعات ثقيلة وخفيفة، زراعة النباتات المثمرة، إنتاج المعرفة، منشآت صغيرة ومتوسطة وكبيرة..إلخ).
ثالثاً: مقومات معنوية (من الأمور التي ليست مادية أو ملموسة لكن يبقى لها تأثير إيجابي كبير على الأفراد في المجتمع، مثل: الاعتزاز بالدين الإسلامي، الاقتداء بسيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم في إخلاصه بالعمل ليصل لدرجة الإتقان كما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)، إيجابية الفرد نحو نفسه والآخرين من حوله، الثناء على السلوكيات النافعة لتعزيزها، الإنجازات المتتالية للأفراد المستوى المحلي والعالمي..إلخ).
ولنأخذ على سبيل المثال كيف استطاعت دولة سنغافورة من تحقيق التنمية؟.
تتكون دولة سنغافورة من 55 جزيرة بمساحة تبلغ قرابة 710 كم مربع، أما عدد سكانها فيصل حسب إحصاءات عام 2017م قرابة 5.888.926 نسمة، مما يجعلها من أكثر الدول كثافة بالسكان.
وقد أدرك قادة دولة سنغافورة بأنَّ التنمية الاقتصادية بحاجة إلى التنمية الاجتماعية كداعمٍ ومحفزٍ لها بحيث تعملان معاً لتحقيق تفوق وتميز الدولة على المستوى الإقليمي والعالمي.
لذا فمع التغييرات التي حدثت في دولة سنغافورة إبان حكم رئيسها السابق (لي كوان يو) والذي ترأس الدولة لمدة ثلاثة عقود متتالية، نقل فيها دولة سنغافورة من العالم الثالث إلى العالم الأول عن طريق مجموعة من الإصلاحات التي من شأنها أن جعلت من المستحيل ممكناً (تعزيز التنشئة الأسرية، الاهتمام بالتعليم، إشراك المعلم في التأثير على سلوكيات الطلاب لكي تتوافق مع قيم ومعايير المجتمع، إنشاء مصانع لتصدير الإلكترونيات ومعدات حفر آبار النفط وتصنيع الأدوية ومنتجات المطاط وإصلاح السفن وغيره، جعل سنغافورة محط أنظار العالم كوجهة سياحية، دعم الفنون والثقافات المختلفة في البلد..إلخ) مما جعل من دولة سنغافورة موطناً للسياحة ومضرباً للمثل في التطور وقوة الأنظمة والقوانين، كما استطاعت دولة سنغافورة أن تحصل على المركز الأول في التنمية البشرية لدول جنوب شرق آسيا في عام 2014م. بناءً على ما سبق..
ما هي أهم الأساليب المتبعة لتحقيق التنمية المنشودة؟.
إنني أكاد أُجزم بأننا إذا أردنا اجتياز تلك العقبات لنحقق الرفاهية والسعادة للمواطنين ونرفع مكانة وطننا الغالي بين الدول الأخرى فنحن بحاجة إلى إحداث تغيير في معظم المجالات إن لم يكن جميعها، ومن ذلك:
أولاً/ تعزيز دور الأسرة في تنشئة الأطفال على الأخلاق الحسنة والقيم الفاضلة وحب الوطن والانتماء له والمساهمة في بنائه ووجوب احترام الأنظمة والقوانين .
ثانياً/ تطوير التعليم من خلال الاهتمام بالجانب التطبيقي مع الجانب النظري، ورفع مكانة المعلم، وزيادة الإنفاق على الأبحاث العلمية، واعتماد تدريس مقرر اقتصاديات المعرفة في الجامعات ..إلخ.
ثالثاً/ الاعتماد عند التوظيف على معيار الكفاءة في الموظف مما يضمن لأي مؤسسة في المجتمع بتحسين الإنتاجية.
رابعاً/ تكثيف الاهتمام بالصناعات الثقيلة، والحرص على إيجاد أيدٍ ماهرة لها من المواطنين.
خامساً/ دعم أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة بشرياً ومادياً ومعنوياً من قِبل منشآت أو رجال الأعمال، لتتحول مشاريعهم إلى مشاريع كبيرة في المجتمع والذي يؤدي إلى زيادة إنتاجهم.
سادساً/ تضامن أفراد المجتمع مع الدولة في حفظ الأمن والاستقرار (داخلياً)، فيكفي الوطن ما يتعرض له من حملات وشرور من (الخارج)، وأقرب مثال لذلك: دعم قطر وإيران للعمليات الإرهابية في داخل المملكة العربية السعودية، ودعم قطر وإيران للحوثيين عند حدود المملكة العربية السعودية مع اليمن لزعزعة أمن واستقرار الدولة.
سابعاً/ الحرص على توفير تأمين صحي لجميع المواطنين، وتكثيف عدد المستشفيات الحكومية في المدن التي تحتاج لذلك.
ثامناً/ التعاقد مع شركات محلية أو أجنبية تمتاز بالجودة لبناء مساكن للمواطنين بنظام (التأجير منتهي بالتمليك) بحيث تكون هذه المساكن أسعارها معقولة، وبإشراف من وزارة الإسكان وبعض العقاريين الثقات.
تاسعاً/ الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة، وخصوصاً الدول التي لها اهتمام بإحداث التنمية بين أفراد المجتمع، وأصبح هذا الأمر واقعاً يشعر به كل من زار هذه الدولة.
عاشراً/ تبني ودعم أصحاب الفِكر النير لوضع حلول للمعوقات التي قد تواجه بعض المؤسسات لتحقيق التنمية، ولطرح أفكار وآراء إبداعية من شأنها تنمية الفرد والمجتمع معاً.
ختاماً .. التنمية الحقة هي عملية استنبات وليست عملية استيراد، وهذا وغيره ما يقوده ويبشر به ويسعى إليه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
** **
Mosaedsaeed@hotmail.com
@Mosaedalbakhat