خالد الغيلاني
مري عليَّ مرور العابرين ربى
لم يكسروا الغصن أو يزروا بها عطبا
مري على الضفة الأخرى تري جبلاً
من حولهِ أممٌ أحلامها حطبًا
حتى إذا جئتِ نخلَ اللهِ في بلدٍ
به الفراتان بعد النيل قد نضبا
فحدثيهم عن التيجان من يمنٍ
وعن ملوكٍ خلوا من قبلنا حقبا
تحدثت ألسنٌ أنكرت لكنتها
حتى الأفاعي لسانٌ قد ترى ذربا
وما فلسطين إلا شاة داجنةٍ
إلى ضريرٍ تمارى فيه من حلبا
فلا فلسطين قد عادت ولا انتصرت
قضية ألبست عرّابها ذهبا
وما بلبنانَ إلا عجمُ طمطمةٍ
متى الأعاجم يومًا ساوت العربا
ما ضر لبنان لو عادت لحاضنةٍ
وقاسمت أهلها الأفراحَ النُوَبا
حملت من تعبي ما لا أبوح به
لا تسأليني لماذا أعشق التعبا
لا الخيل عالكةٌ كالخيل مطلقةٍ
ولا قصير السرى يستوجب اللغبا
ولا السماء إذا ما هل أولها
كآخر الغيث والمجدود من وهبا
زدني حديثًا عن العينينِ إن لها
عندي جميلًا شفت أحداقها النصبا
خذ كل شيءٍ ودع لي ظل داليةٍ
لا أسأل الله بعد الهدب لي طلبا
أنا على ملة العشاقِ ما برحوا
أسرى العيونِ ودمعٍ عندها سربا
من قال إن الهوى كأس وغانيةٌ
لا تسمعيه وقولي إنه كَذَبا
شيئان أنتِ وعيناك التي ضحكت
أهدا لي الحب أو أهدا لي الحَرَبا
مخضرة الشوقِ من بالحب شاغلها
حتى تثنت وكادت تهصر العنبا
أدنت لي الشفة الحمراء قائلةً
فلتشرب الكأس أو لا فاشربِ الحببا
وخذ إليك الذي ما زلت تطلبهُ
كل الذي أتعب العشاق قد قربا
كنخلة البدوِ فهززني أيا رجلا
بداوة العشقِ في شريانهِ صخبا
ثم انتظرها على ميلين من شبقٍ
فإنها لهواكَ اسّاقطت رطبا
حانت لنا لحظةٌ ذاب الحنين بها
وذوب الدمع لو أن الزمان حبا
قد اقتربنا كأن القرب قال لنا
تجسدا الحمأ المسنون واقتربا
حتى السماء توحدنا بها فغدت
والأرض من تحتنا محمرةً لهبا
وغبت فيها غيابًا لا حضور له
كأن كل الذي من حولنا سلبا
لما أريدكِ ماذا فيك أجبرني
لأسأل الله في عينيك منقلبا
وضفتان مشينا فيهما ومشت
لنا أمانٍ حوالينا زهت طربا
لا أكذب الله ما ألفيت متكأً
إلا يديها وخصرًا مال واضطربا
لا الأغنيات شفين اليوم لاعجةً
ولا أرحن قديم الشوقِ والوصبا
معذبون نلوك الوهم نعجنه
لندعي حالتين الحب والعتبا
لما نلاحق أنثى في مخيلةٍ
إذا انقضى سببٌ زدنا الهوى سببا
مجنحونَ وأرض الله واسعةٌ
فخل بغداد خل الشام أو حلبا
واقصد لضاحكة البشرى وإخوتها
نجدًا ترى مجمع البحرينِ مضطربا
من ناوأ الليل إن الليل غالبه
ومن يقامر في أحلامه انثلبا
وما رأيت لنجدٍ في الورى شبهًا
ولا أحاشي ثرًى شرقا ومغترَبا
القادرين على حلمٍ ينازعهم
والمالكين زمام العلم والأدبا
وقد رأيت وما ينفك لي طمعٌ
وما ارتياح أخي الدنيا وما كرَبا
والغالبات ذواتُ الأيك لا رجلا
طوع العماياتِ والدنيا لمن غلبا
خذها إليكَ على رفقٍ مداعبةً
وكن لطيفًا بها لا تكسر اللعبا
وما رياضة أنثى في سياستها
إلا ارتياضك في خيلٍ إذا وثبا
كأسي من الحبِّ كأسٌ لا دواء له
يا ساقي الحبِّ إن الكأسَ قد عذبا
أنا وأنتِ وسيرٌ في الدجى لممٌ
حتى يئست ونجمي في الدروبِ خبا
يا آخري أول الأحلام أتعبني
ويا مخوفًا قريبًا زادني هربا
الكاذبون رموني أفكهم ومضوا
كأنهم ما رأوا أو أشربوا شغبا
وأنت يا أول الأشياء كنت منى
احتجتها كاحتياج الطفل تاه أبا
خذني إليكَ وزملني فما أحدٌ
في العالمين لكأسيهِ هنا شربا