الجزيرة الثقافية - حسن الحجيلي:
يُعرض هذه الأيام فيلم «شمس المعارف – 2020» في دور السينما السعودية، ويستحق المشاهدة، ليس فقط لأنه الفيلم السعودي الوحيد بين أفلام هوليوود الجشعة التي تسيطر على عروض السينما المحلية، بل أيضاً لأنه فيلم متكامل من الناحية الفنية والتقنية، ومشبع بالإيحاءات الشعبية السعودية التي يفهمها الجمهور السعودي بشكل خاص.
يحمل عنوان «شمس المعارف» دلالات سلبية لارتباطه بكتاب عن تحضير الجن وخفايا السحرة وكثير من الروايات الشفهية «الخيالية» حول قدرة الكتاب في سحر كل من يتصفحه... والمفارقة هنا أنَّ نشأة السينما العالمية مرتبطة بالفنون السحرية، فكان صناع الأفلام الأوائل خبراء أوهام بصرية وألعاب خفة وخدع سحرية مثل جورج ميلييه صانع فيلم «رحلة إلى القمر – 1902». هذه العلاقة القديمة في ظاهرها هي علاقة بين السينما والسحر، ولكن في جوهرها هي علاقة بين السينما واستخدام التكنولوجيا لخلق الأوهام والخدع البصرية التي تذهل المتفرج.
يحكي فيلم شمس المعارف قصة الطالب حسام في الصف الثالث ثانوي الذي يقرر الانتقال من صناعة محتوى يعرض على اليوتيوب إلى صناعة فيلم روائي يعرض في مهرجان سينمائي خليجي قادم. وتدور الأحداث رمزياً في عام 2010 خلال مرحلة أوج انتشار القنوات والبرامج السعودية على اليوتيوب.
مدير التصوير السينمائي عمرو العماري متميز في استخدام المساحات، و بمرونة ذكية يستطيع جعل أضيق المساحات شاسعة، فنشاهد في افتتاحية الفيلم لقطة طويلة ندخل فيها للمدرسة فترة طابور الصباح وصولاً عند حسام وهو يقوم بتصوير فيديو يوتيوبي، ثم نتعرف بشكل أكبر على حسام وشغفه وطموحه وأحلامه، وحياته بين بيته والمدرسة باعتبارها المكان الذي اتخذه مقراً للتصوير حتى يكتشف أحد أشرس المدرسين بطشاً في الطلاب فعل حسام. ولكن لدى هذا المدرس جانب خفي ووديع من شخصيته فهو محب للتمثيل حباً شديداً، ولديه تجربة أدائية صغيرة في مسلسل طاش ما طاش، مما يقودهم للعمل مع المدرس على فيلم رعب روائي طويل تحت عنوان «شمس المعارف». رغم أن الفيلم سردي حتى هذه اللحظة يشبه قوالب طاش ما طاش الكوميدية، إلا إنه يظهر التفاوت بين الأجيال في تقدير طاش ما طاش، فالمدرس يعتقد أن طاش أفضل عمل في التاريخ، بينما يرى الجيل الأصغر أن طاش سبب فشل الدراما المحلية.
وشخصياً أتصور أن إشكالية طاش ما طاش رغم شعبيته وأهميته وحبي له إلا أنه اختزل الدراما السعودية داخل عمل واحد، وأدى استمراره لسنوات إلى الكسل الفني والتقني، وعدم تطوير الدراما المحلية، وتهميش المبدعين. فلم يكن نجاح طاش ما طاش نقطة التقاء للتوسع والتعدد، ولكن كان نموذجًا ثابتًا يكرر نفسه حتى أصبح المعيار الأوحد.
في المقابل، لليوتيوب دور كبير في فتح آفق جديدة للإعلام السعودي، كان الإعلام المرئي قبل ثورة اليوتيوب مُثقل بالأوجاع والأمراض لعدم وجود أي ضوابط لمعايير الجودة الفنية والتقنية، بينما طبيعة اليوتيوب تفاعلية، حيث يتفاعل صناع محتوى اليوتيوب مع جمهورهم بشكل مباشر مما يؤدي إلى فهم شخصي لمحتواهم وفهم عام لجمهورهم، وتشيكل ذائقة فنية تساعدهم لتطوير أنفسهم وأدواتهم التقنية.
فشمس المعارف يعكس هذه الحالة الخاصة عن الشغف بمحاولة تطوير الجوانب التقنية عبر الممارسة، وهذه سمة تنطبق على صناع محتويات اليوتيوب، ويقود ذلك بطل الفيلم لمحاولة الخروج من شاشة اليوتيوب والانتقال لشاشة السينما في تحدٍ فني وتقني واقتصادي صعب، وهذه الثيمة قريبة جداً لصناع شمس المعارف وتلمس تجربتهم الفنية.
الفيلم من نمط قصص النضوج Coming Of Age وهذا النمط طرقه قليل عربياً. ويعتمد الفيلم على أساليب سردية عدة، فهو «فيلم داخل فيلم»، ويستخدم أسلوب صوت الراوي للتعبير على مشاعر وهواجيس البطل الحياتية، ويستخدم الرسم الكرتوني الذي يعكس حالة صراع البطل النفسية ضد فكرة أن حبه للسينما والتصوير سيقوده للفشل والعمل كحارس أمن مستقبلاً.
مستوى الجوانب الفنية للفيلم مبهرة سواء من حركة كاميرا، وإضاءة وألوان وأماكن تصوير، وأزياء. واستخدام لموسيقى الراب السعودي، واختيار الممثلين دقيق والجميع تميز في دوره. وأما من ناحية الأحداث فيظل الفيلم يتطور في مستواه حتى يصل للفصل الثالث من القصة Third Act ويصاب بنوع من التمطيط الذي أدى لنوع من السذاجة وخصوصاً في حفل التخرج، لكن عدا عن ذلك فالفيلم جيد ويدعو للتفاؤل. ومن ناحية أخرى، رؤية تفاعل الجمهور مع الفيلم ممتع ويزيد من جماله. بالتالي مشاهدته في السينما أفضل من مشاهدته مستقبلاً بالمنزل.
يُعاب على بعض صناع محتويات اليوتيوب العقلية السطحية، وذلك لأسباب عديدة منها أن جمهورهم صغار السن. ولكن أتصور أن شمس المعارف فيلم يثبت أن صناع محتويات اليوتيوب بإمكانهم الانتقال للسينما وصناعة مادة سينمائية جيدة ومناسبة.