د. محمد بن إبراهيم الملحم
هذه الحلقة عن القضية الرابعة والأخيرة التي تناولها التقرير، وهي «مرتكزات أو أسس تعلم الطالب»، والتي نظر إليها التقرير من خلال صفوف التعليم المبكر فبحثها بشكل خاص واستعرض جوانب النقص فيها وجوانب القوة، حيث أشار إلى أن المملكة انتبهت مؤخرًا إلى النقص الكبير في مجال رياض الأطفال وضخت فيه الجهود والموارد لتنهض به سريعًا، وأنها أنشأت مؤخرًا معايير وطنية للتعلم المبكر، كما توسعت كثيرًا في إنشاء المباني المختصة ووسعت دائرة مرحلة التعليم المبكر لتشمل الصفين الأول والثاني مع صفوف رياض الأطفال. وأوصى التقرير بضرورة إنشاء إستراتيجية وطنية رسمية لتعليم الطفولة المبكرة (من المهد إلى 8 سنوات)، كذلك توفير أهداف وطنية محددة لنسب الالتحاق ومخرجات تعلم القراءة والكتابة، ودعا إلى جمع المعلومات الكافية والدقيقة لأجل توفير الموارد بشكل إستراتيجي مناسب للنهوض بهذه المرحلة مع دعم ذلك كله بميزانيات كريمة مع ترقية مستوى الإشراف على هذه المرحلة من إدارة عامة إلى وكالة وزارة، وكذلك رفع مستواها في إدارات التعليم من مستوى إدارة فرعية إلى مساعد لمدير التعليم لشؤون الطفولة المبكرة.
فيما يتعلق بالجودة النوعية، فإنه لا توجد معايير وطنية أو مركزية تقدم تحديدًا أو تعريفًا لمتطلبات الحد الأدنى لمؤسسات الطفولة المبكرة، وبدلاً من ذلك فإنه يوجد عدد من التعاميم والأدلة التنظيمية للروضات والحضانات، ونتيجة لذلك فإن عمليات الترخيص لرياض الأطفال ومراقبتها ليست شمولية ولا متكاملة، ولذلك لابد أن يتم إنشاء مجموعة من المعايير كل منها يناسب مرحلة معينة من مراحل التعليم المبكر سواء للتعليم الحكومي أو الأهلي، ويبنى على هذه المعايير أيضًا إطار عام للمراقبة مع التأكيد فيه على القطاع الأهلي، ويمكن أن تتشارك كل من الوزارة وهيئة التقويم مسؤولية المراقبة على مستوى الأنظمة.
«المعايير السعودية للتعلم المبكر» أنشأتها هيئة التقويم لأجل تحسين مخرجات التعلم في هذه المرحلة، ولكن لا تزال علاقتها بمعايير المناهج الجديدة غير واضحة المعالم. ويدعو التقرير وزارة التعليم إلى ضرورة المواءمة بين هذه المعايير والمناهج وتوضيح العلاقة بشكل عملي، ويرى التقرير إنه يجب الاهتمام بمتابعة مدى تطبيق هذه المعايير مع دراسة أثرها على ممارسات المعلمين/المعلمات وانعكاس ذلك على تعلم الطلبة خاصة أن كثيرًا من المعلمين والمعلمات في السعودية (كما يرى التقرير) يفتقرون إلى المصادر الفعالة لتدريس الصغار، وما هو متوفر بين أيديهم لا يساعدهم على تحسين المخرجات التعليمية، خاصة فيما يتعلق بالقراءة والكتابة وتكاملها مع غيرها، كذلك ليس فيها ما يدعم مسألة تقييم المعلم لطلابه ويرفع الاهتمام به. ومن الملاحظ أن تدريس القراءة والكتابة منصب على تعلم الجانب القرائي اللغوي البحت والقواعد النحوية والإملائية، ولكنه لا يعبأ بالقراءة المفهومية التي تقوم على وعي المعنى وفهم المحتوى.. لذلك يدعو التقرير إلى ضرورة الارتقاء بمصادر التعلم وتحسين الممارسات التدريسية في التعليم المبكر خاصة للقراءة والكتابة.
يرى التقرير أن القوة العاملة السعودية فيما يتعلق بالتعليم المبكر قابلة لاستيعاب الطلب، فالجامعات توفر تعليمًا جيدًا في تخصص الطفولة المبكرة، كما أن مراكز التدريب المتخصصة متوفرة وتقدم برامج جيدة وواعدة في التطوير المهني للعاملين في هذا المجال، ومع ذلك فإن التوسع السريع لرياض الأطفال مؤخرًا أدى إلى تراجع الجودة النوعية لمعلمي ومعلمات الطفولة المبكرة لعدم قدرة مؤسسات التعليم والتدريب حاليًا أن تفي بالطلب العالي جدًا والمفاجئ لهذا التخصص. ويوصي التقرير بأن تقوم الجامعات لفترة التوسع هذه بتكثيف مصادر التدريب والتدريس وقبول أعداد أكبر وعمل شراكة مع «أكاديمية القيادة» ليتمكنا معًا من تدريب مديرات مؤهلات لقيادة رياض الأطفال مع توظيف التدريب عن بُعد في هذا المجال ليساعد على الوصول لأكبر شريحة ممكنة كما يوصي بالاهتمام بفئة «مساعدات المعلمات» في رياض الأطفال وضرورة تدريبهن وتأهيلهن.
عن دور الوالدين في دعم التعلم خاصة للصفوف المبكرة، فقد أشار التقرير إلى وجود مبادرات وطنية ولكنها لم تحقق نتائج عالية، فهي من جهة تركز في غالبها على مرحلة رياض الأطفال كما أنها تستهدف أولئك الذين لديهم أطفال في المدرسة فقط. وقد أوصى التقرير بضرورة تدريب العاملين في المجال التربوي حول آليات ومتطلبات ومهارات إدماج أولياء الأمور في العملية التربوية التعليمية، ويجب في هذا الشأن أن تعمل جميع المدارس بكل مراحلها من الروضة حتى الثانوية على توفير المصادر اللازمة وتقوم بدورها كمراكز اجتماعية يكتسب الوالدان من خلالها المعرفة والمهارات اللازمة لذلك، بل يمكن أيضًا توفير زيارات منزلية للعائلات التي لا يتمكن أفرادها من الوالدين من زيارة هذه المراكز وقت عملها.
** **
- مدير عام تعليم سابقًا
تويتر @mialmulhim