كتب الأستاذ خالد المالك (ضحى) هذا العيد بـ«الجزيرة»، وتحت عنوان (بأية حال عدت يا عيد)..
ولعلي أعضد مقالته السياسية توجهًا، بمادة من فيح القلب، مستهلّاً لها بتقرير:
«قديمك نديمك».. وهو لا سواه مسامرك، الذي إلا ويرجع إليك (وجه التأسي..) على ما فات..، ولا أجازف بالقول بما فرّطت من جميل.
وأعني مكانًا حسبه أن ضمّ من كانت الدنيا جميلة بهم..
كذا هو وقع تلكم المغاني، والدور التي في لمّت بجوفها، وقد تهاوى اليوم قوامها، وتلاشت مقاومتها لا للعواتي من الريح، بل لتقلّب الليل والنهار، وهذه سنّة الحياة.. لكنك وأنت منها (مما حفتك به في زهرتها) لتُمسي أهلاً لدنيا يومك.. كأنها صرفت عليك عمرها لتُقيم أركانك ويكتمل بنيانك وهي ما يطلق عليها وسمًا بـ(الاطلال)، أي:
كل شاخص ولو جزء يذكّر بها ويعيد إليها بعضًا مما آثاره ما زال لديك عالقاً..
تلكم وإن كانت «صفحة من العمر» مضت من كتاب حياتك، لكنها ليست أي صفحة!
بل قد تكون عنوانًا لكتابك، بخاصة لدى من شغفوا بالماضي وتعلّقوا بما كان يحمل.. إن من ذكريات، أو لنفيس من عمر الطفولة والصبا.. و(ربما ريعان من الشباب) الذي لا يعود، وليس لما كان فيه من جميل حمل يؤوب.
وإن بقي بذر جميل عمر.. عبر نعم..، وبلا اختيارنا، فحسب.. هذان السببان (عدم عودته، وجمال ما كان فيه) لعمري.. هما قاصمة ظهر ذاك الذي يحمل طيّ ذكرها، ويعيش في أجوائها، ولا تبرح نفسه عن مخائلها بربكم!، أنى لك التناوش معه، فضلاً عن إقناعه إن ذاك تولى ولا يعود..
وليجرّب لا لزيارتها فقط، بل لمحاولة القيلولة بأحد أركانها وليخبر بعدها هل احتمل ما تفيض..؟
فضلاً أن يصبّ ملامة على من ودّعها بيوم ولم يعد إليها، ولا لضرورة؟!
فهي وإن كانت عزيزة، لأنها مكمن حنينه الأول، لكن عمرها -الافتراضي- انتهى وقد أخذت حظّها من أهلها الذين بعد انقضاء عهدها تحوّلوا لغيرها.. كما تقدّم تعليلاً (سنّة الحياة)، لينصرفوا فكهين - من بعد.. - إلى معاشهم عن الشغل بها، فضلاً عن النواح على ما علّمته بهم.
وما لنا نذهب بعيداً،.. فسل من ترك أغلى ما لديه أحد والديه (في الثرى)، هل وقف عمره على ذاك المآوى؟
.. أم هي سويعات الوداع، ولم يعدّ الكرّة إلا بعد (حين) أو (مين).. الله أعلم بمداه
فهل تريد من ذاك الذي أرخى سدوله على ما أشغله من حاضره عن أن يعاود الإطلالة بما أودع به أغلى البشر وأعزّهم لديه، أن يعود الهوينا.. ليقف على حجر أو مدرٍ!، ولو كانت لديه عزيزةٌ، كدار كان بها منبته، أو مرتع بيوم ضم صحبة صبوه
جليل من أيام التلاقي بين حواريها ممن لا يفرّط بجمال دنيا كانت بتلكم إلا بانفطار لبّه، أو تحرّق قلبه عجبًا للإنسان، وأيّ قلب يحمل بخاصة نوعية منهم كالحجارة.. قلما يحرّكها أو حتى يعيدها لتطلّ ولو ببصيص مما أودعت بتلك المعاهد والمشاهد التي لها بأعماقه محلّ.. يبلغ بها سبيلاً لذلك المغرم، أكان السبب تخيّلاً أو الداعي إليه ترجّيًا.. يقول به لسان صنيعه إن وجم عن النطق لسان مقاله.. مما فيها معلّم دواخله، وصدى مثرٍ رنينه، بل حسبه من ذاك ما كان من جميل الزمان وأثير المكان، يمرّ عليها ولو لمما وكـ(دين) يسدده للعمر النفيس الذي وطره انقضى بين أفياء تلكم الملاعب.
أعلل لما تقدّم كتعزية لتلك القلوب الرهيفة، والتي بغياب إطلالة الأطلال (يغيب عنها وجه التأسّي)... عليها. فلا تحزن إن التقت بتلك النوعية، فتصبّ جام معتبة عليها، ولكن لها الحق أن ترمي بعض ملام عليهم، ولو من اللوم اليوم فهذا ما يميزّ فئة عن أخرى
ألا فامتازوا أيها الأوفياء، وأرسلوا لأولئك صدى.. عساه يبعثهم من مرقد الحيف الذي واقعٌ بهم، عسى أن ينهضوا من مخدع التكاسل ويعودوا لما تركوا.. مما آثروا بعده بريش من وارف عيش أشغلهم عن بارق ذاك الحيّ في خلد (أهل الوفاء) فحسب، والأمل مشيّع بـ«عسى» أن يعيدوا لذاتهم الحياة، أو لحياتهم الجافّة ما يرققها اليوم، في العودة إلى سيرتهم الأولى.