د. محمد عبدالله الخازم
ينزعج البعض عندما تقول له أنت لا تتخذ قرارك بناء على منهجية علمية، وبخاصة حينما يكون حاملاً شهادة عليا؛ إذ يعتقد أنها منحته الحصانة ضد أمراض الجهل واللاوعي المختلفة؛ لذلك نحذر من أن تصنيفك الوظيفي، عالمًا أو أستاذًا أو استشاريًّا أو متخصصًا، قد يشكّل غشاوة؛ فينسيك فحص المنهجية العلمية، وأهمية الاستناد إلى معايير علمية أو موضوعية وغير منحازة قدر الإمكان عند اتخاذ أي قرار. العلمية تمتاز في قمتها ببراهين وأدلة علمية، ودراسات ونظريات وإحصائيات وتجارب سابقة، تدعم قرارك، وقد تمتد إلى مجرد ممارسة التفكير النقدي واتباع أساليب منظمة عمليًّا، مثل الجدل أو المناظرات الحرة حول القرار، أو العصف الذهني بمشاركة أصحاب العلاقة. مع التأكيد: فكرة مشاركة الآخرين تعني منحهم وحمايتهم لقول رأيهم بشفافية وحرية، وليس مجرد استخدامهم (كديكور) بيروقراطي.
المؤسسات الأكاديمية والمهنية بالذات يفترض اتصافها بهذا المفهوم أكثر من غيرها؛ كونها علمية بالدرجة الأولى؛ ويجب أن تسير مبادراتها ومشاريعها وفق فلسفة ورؤية علمية قدر الإمكان، وإلا فإنها تصبح في تناقض فلسفي وأخلاقي بين ما تعلِّمه لطلابها ومنسوبيها وللمجتمع، وما تطبِّقه؛ لذلك أنا أفترض ضمنًا أهمية أن تكون المرجعية الأولى لها هي الاستنادات العلمية، والإحصائيات والتجارب الموثقة، قدر الإمكان. ووفقها، وجزء من آلية إصدار قراراتها، يتطلب الدخول في نقاشات وجدالات معمقة حول القرارات بفحص الإيجابيات والسلبيات، ومناسبتها للبيئة والواقع الذي تعمل فيه.. إلخ.
المفهوم العلمي أساسه التفكير الناقد، ويعني «فهم الروابط بين الأفكار، ومعرفة أهمية وملاءمة الحجج والأفكار، وتحديد وبناء وتقييم الحجج، وتحديد التناقضات والأخطاء في المنطق، والتعامل مع المشاكل بطريقة متسقة ومنهجية، والتفكير في تبرير الافتراضات والمعتقدات والقيم الخاصة بهم». ويتطلب القدرة على «التفكير في موضوع أو قضية بطريقة موضوعية وحرجة، والتعرف على الحجج المختلفة الموجودة فيما يتعلق بمسألة معينة، وتقييم وجهات النظر لتحديد مدى قوتها أو صحتها، والتعرف على أي نقاط ضعف أو نقاط سلبية في الدليل أو الحجة، وملاحظة الأسباب التي قد أحدثت هذه الحجة، وتقديم هيكل المنطق، ودعم الحجة التي نود القيام بها». (موقع الأكاديميون السعوديون).
الخلاصة: هي أهمية فهم الموضوع وأبعاده المختلفة، والبحث عن إجابات للأسئلة التي تقود لمنهجية علمية. لنتذكر دائمًا أن هناك نظريات وفلسفات وتجارب متنوعة، يصعب الجزم بصحة إحداها بشكل كامل؛ لذا يتطلب الأمر فحصًا معمقًا للتأكد من اختيار الأفضل.
أيها القائد الأكاديمي/ المهني/ الإداري.. الإحساس بأنك تعرف كل شيء بناء على تجربتك عندما كنت طالبًا، أو بناء على حدسك الشخصي، وفرض رؤيتك على الآخرين، دليلُ عدم استيعابك لدورك كمتعلم ومعلّم، جزء من تعلُّمه وعمله يعتمد على التفكير الناقد، وإدراك تنوُّع النظريات والعلوم وتطوُّرها. ثقتك في شخص، وإعجابك به، ليسا كافيَيْن لكي تقبل أو تفرض رأيه على الآخرين، بل عليك إتاحة الفرصة لدراسة أي فكرة وفق الأسس الإدارية والعلمية. الحصول على منصب قيادي لا يعني ضمنًا أن الشخص عالمٌ بتفاصيل ونظريات وآليات العمل كافة التي تميزه عن غيره، بل عليه اتباع المنهجية العلمية، ومنح الفرصة للآخرين لإبداء رأيهم وحججهم.