محمد سليمان العنقري
التعامل مع تداعيات جائحة كورونا الاقتصادية مرَّ بمراحل عدة، الأولى كانت استيعابها، ثم الانتقال للاستقرار وإيقاف النزيف. وقد حققت البرامج التي اعتمدت لمواجهة التداعيات نجاحًا ملحوظًا من خلال برامج تحفيزية، فاقت كلفتها 200 مليار ريال. ولعل جميع دول العالم تعاملت بالتوجهات نفسها، أي مرحلة الاستيعاب، ثم الوصول للاستقرار؛ وذلك استعدادًا للعودة للنمو من جديد. ومن المتوقع أن تشهد تقارير الربع الثالث مع نهايته تحقيق معدلات نمو قوية محليًّا وعالميًّا، وذلك بالمقارنة مع النصف الأول من هذا العام الذي شهد ركودًا كبيرًا بسبب توقُّف جل الأنشطة الاقتصادية مع الإجراءات الاحترازية التي اتُّخذت للحد من انتشار الوباء في فترة كان العالم فيها يجهل هذا الفيروس، ولا يمكن تحديد مدى خطورته على صحة الناس.
وفي تعليق من رئيس بعثة صندوق النقد الدولي إلى المملكة تيم كالين توقّع أن يستعيد الاقتصاد الوطني النمو في النصف الثاني من هذا العام على اعتبار أنه أُعيد فتح الأنشطة الاقتصادية إجمالاً، وهذا بالتأكيد سيعيد النشاط لها، وسيحسن من أدائها قياسًا بالنصف الأول. ولا ننسى التحسن في أسعار النفط واستقرارها في منتصف الأربعينيات خلال أكثر من الـ75 يومًا الأخيرة، أي في الشهرين الماضي والحالي من هذا الربع الثالث، إضافة لفترة جيدة من شهر يونيو الماضي، ومع النجاح الذي يتحقق باحتواء انتشار الفيروس، والقدرة على التعامل معه، وتراجع الحالات المصابة، وارتفاع بنسبة الشفاء، فإن إمكانية المضي قُدمًا باستمرار فتح الأنشطة الاقتصادية سيكون ممكنًا مع أهمية الالتزام بكل الإجراءات الوقائية المعلنة من وزارة الصحة؛ فالفيروس لم يتم القضاء عليه، ولا يوجد أكثر من بروتوكول علاجي، وحتى يتم اعتماد لقاح فعال وإنتاجه، وحصول الدول عليه، فلن يكون هناك اطمئنان لعدم عودة تفشي الوباء؛ ولذلك فإن العامل النفسي الذي سبق الحديث عنه في مقالات سابقة سيكون هو العامل الرئيسي بقياس نجاح الأنشطة الاقتصادية، وخصوصًا بالقطاعات الأكثر تضررًا (التجزئة والسياحة والترفيه)، وغيرها مما ترتبط بها. فالمرحلة القادمة ستحمل معها تحديات تتعلق بالقدرة على استعادة النمو الاقتصادي القوي الذي يمكن مقارنته مع العام 2019، أي قبل جائحة كورونا. فلا يمكن توليد فرص عمل لتقليص معدلات البطالة، أو زيادة الإنتاج المحلي، إلا بخطط تحفيز تخص استعادة النمو؛ فهذا التحدي لا يعد محليًّا فقط بل عالميًّا أيضًا؛ ولذلك سنشهد في المرحلة القادمة تركيزًا دوليًّا على برامج تحفز النمو على المديَيْن المتوسط والبعيد، وهو ما يعد ضروريًّا أيضًا في اقتصادنا؛ فالجميع سينتظر الملامح الأولية للميزانية العامة للعام القادم وما ستتضمنه من برامج ومشاريع، تحفز الطلب المحلي، وتعيد الزخم للنمو. وإذا كان البعض يرى أن كل شيء يتوقف على التطورات الخاصة بمكافحة فيروس كورونا، وإيجاد لقاح له، إلا أنه يمكن أيضًا وضع خطط مناسبة تتكيف مع كل الظروف بحيث تتحقق المعادلة الصعبة التي تثمر تحقيق نمو اقتصادي، وفي الوقت نفسه تجنب تفشي الوباء في حال تأخر العلاج النهائي له المتمثل باللقاح تحديدًا. فاستعادة النمو ستكون مقدمة على كل الاعتبارات عالميًّا باستثناء الحفاظ على صحة الإنسان التي تبقى خارجلمقارنة مع أي اعتبارات أخرى.
استعادة النمو ستكون بمنزلة معركة العالم القادمة مع تداعيات هذا الفيروس؛ لأنها أفرزت تشعبات معقدة؛ فهناك أعمال قد انخفضت أهميتها مع ظهور البديل التقني؛ وهو ما يعني أن وظائف كثيرة ستُمحى من سوق العمل لصالح أعمال بمتطلبات جديدة في التأهيل والخبرة. والحال طبعًا تنطبق على توجهات الاستثمار؛ وهو ما يعني ضرورة أن تأخذ خطط استعادة النمو ذلك بعين الاعتبار لقيادة توجهات الاستثمار، وتعزيز الثقة بالاقتصاد، وتوليد فرص العمل.