في هذه الحياة وعلى صفيحِ هذه الأرض ستصلُ يوماً ما لمرحلة تقلل فيها من شأنِ كُل الأشياء وتدعها على الهامشِ، فلا تندهش أو تصيبك وخزات الاستغراب حينما يدوي صدى صوتٍ لصاروخٍ غاضب نثرَ شظاياه حولك، وإن مررتَ فوق الركام لن تُبالي.
تعتاد فكرة اقتراب الموت منك كل يوم، بل تقتنع تماماً أنه يترصد خطواتك، حتى وإن خرجتَ بعد دمار حلَّ عندك لتنزنح بوسط ليلٍ عتيم وتجاري الأشخاص تسابقهم؛ لتحصل على قليلٍ من الأمان، فرصَةٌ إضافية لتعيش يوماً آخر، لن يَهمك الكثير في تلك الأثناء، وستكون قادراً على الإصغاء لأصوات البكاء والنحيب بدل أن تخاف، تستطيع لحظتئذ أن تفهم البكاء كما لو أنه حديثً يدور، وتعرف الذي يبكي من خوف، والذي يبكي لحسرة، والذي قلّت بهِ الحيلة وأغلقت في وجههِ الأبواب ولا سبيل، وحتى بكاء الثكلى والأرامل ستعرفه، ولا تستبعد أن انفطرَ قلبك لنوعٍ خاص من البكاء، ذاك الذي ترافقَ مع شهقاتٍ تمزق القلوب وتصبّ بها فوق الألم ألما، الأمر أشبه بكابوس امتدَ فيه الظلام وأغرقك.
بعضهم صار يطلب الموت ويتمناه، وكأن الحياة اجتثت منهم الحياة، وكأن الألوان اختفت وتلونت كل الأشياء بلون الرماد.
الحرب فيها أكوام من الخراب، ومعان متلألئةٍ ليست تخبو على أحد من المآسي، البشر يصبحون في النزوح كالطوفان!
طوفانٌ من البشر لا يستطيع أحد احتضانهم في لحظةٍ ما ستشعر بأنك احتضنت زجاجة ستؤذيك محاولات الاقتراب منها في كل مرة؛ محملون بالألم والأسى ولن تستطيع أن تصنع لهم حياة بسهولة، الحرب تحاول دائماً قتل الجميع ودفنهم في الرماد.-
** **
- نوال عبدالله العظامات