د. مساعد بن سعيد آل بخات
يسعى الإنسان للبحث عن السعادة وراحة البال والبعد قدر الإمكان عن التعرض لأي مشكلات تنغص عليه حياته, إلا أنه في واقع الأمر لا يوجد إنسان لم يتعرض لمشكلات في حياته سواءً كان غنياً أم فقيراً, أميراً أم خادماً, رجلاً أم امرأة, كبيراً أم صغيراً.
فهذا قدوتنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم تعرض لمشكلات كثيرة هذا وهو خير البشرية عند الله سبحانه وتعالى, ومن ذلك: عندما رمى عقبة بن أبي مُعيط الفرث (الكَرِش) على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي في المسجد حتى ضحك أبو جهل ومن معه, وعندما تعرض للسب والشتم من عبيد وسفهاء ثقيف في الطائف, وبعد وفاة عمه أبو طالب وزوجته خديجة آذته قريش حتى اعترضه أحد سفهاء قريش ونثر على رأس رسول الله التراب, وعندما مات ابنه إبراهيم ذرفت عيناه بالدموع وهو يقول: (إنَّ العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون).
لذا ينبغي علينا أنْ نتقبل تعرضنا لأي مشكلة سواءً كانت في المنزل, أو في العمل, أو في الشارع..إلخ, فنحن لسنا أول الناس ولا آخر الناس الذين سيتعرضون لحدوث هذه المشكلات على اختلاف حدتها (بسيطة, صعبة, معقدة), كما أنه يتوجب علينا أن نعي كيفية التعامل مع هذه المشكلات بطريقة صحيحة لكي نتجاوزها بدون ترك أي أثر سلبي لها علينا أو على الآخرين من حولنا.
فما هي المشكلة؟.
تُعرف المشكلة بأنها «موقف غير مرغوب فيه يتطلب تصحيح الفرق بين ما يحدث فعلاً وبين ما نرغب حدوثه», أو ربما نُعرف المشكلة بأنها «الخروج عن السلوك المألوف».
وقد يظن بعض الناس أنَّ هناك علاقة وثيقة بين الإبداع وحل المشكلات, فالهدف من الإبداع هو حل المشكلات, وهذا التعبير إن كان فيه شيء من الصحة إلا أنه ليس صحيحاً على الإطلاق, فالإبداع يعني أن تأتي بأفكار جديدة يمكن بها تطوير أداء العمل, فليس بالضرورة أن يكون هناك مشكلة لتفكر تفكيراً إبداعياً, كما أنَّ بعض الأفكار الإبداعية تسببت في نشوء بعض المشكلات لدى بعض الناس مثل: عند استخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في بعض المحلات من مصانع ومطاعم وغيرها مما أدى إلى الاستغناء عن بعض الموظفين وبالتالي سيزيد من نسبة البطالة في المجتمع.
ربما يتساءل أحدهم كيف يمكن لي إدراك وجود مشكلة ما؟ أو بعبارة أخرى ما هي المقاييس أو المعايير التي نضعها للمشكلات؟.
هناك بعض الأساليب التي تستطيع من خلالها إدراك وجود المشكلة, وهي:
أولاً/ الإحساس بوجود مشكلة, ويُعد هذا الأسلوب أُولى خطوات البحث العلمي.
ثانياً/ من خلال قيم المجتمع ومعاييره الذي تقيس عليه أي ظاهرة في المجتمع.
ثالثاً/ عند الرجوع لأهداف الخطة تمَّ اكتشاف بأنَّ بعض الأهداف لم تتحقق.
رابعاً/ عند مقارنة إنتاجية هذه السنة مع تاريخ سابق فوجدت بأنَّ الإنتاجية أقل من ذي قبل.
خامساً/ عند المقارنة مع مجموعات مشابهة له بشرط أن تكون متميزة وليست سيئة.
سادساً/ من خلال النقد بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون عن طريق أشخاص ثقات.
ومع أنَّ المشكلة عندما تُصيب أي إنسان فهي تنغص حياته وتكدر صفوه إلا أنها تحمل في طياتها بعضاً من الفوائد مثل:
أولاً/ اكتساب خبرة في كيفية التعامل مع مشكلات الحياة.
ثانياً/ معرفة أماكن الخلل وتعديلها والوقاية منها في المستقبل.
ثالثاً/ مع شدة الأزمات تُكتشف القدرات والإمكانيات المجهولة في الأشخاص (أي التي لم يكتشفها من قبل).
رابعاً/ الاعتذار من الأشخاص عند الخطأ في حقهم.
خامساً/ تحفيز العقل على التفكير والبحث عن حلول (عصف ذهني).
ومما يجدر الإشارة إليه هنا أنَّ بعض الناس يتهربون من المواجهة عند وقوع مشكلة لها علاقة بهم لعدة أسباب منها ما يأتي:
أولاً/ الجهل بوقوع المشكلة نظراً لقلة الوعي بها.
ثانياً/ الجهل بعواقب المشكلة نظراً لعدم القدرة على استشراف المستقبل.
ثالثاً/ الخوف من نتائج المشكلة.
رابعاً/ الشعور بالراحة بعيداً عن المشكلة.
خامساً/ ارتباط المشكلة بشخص محبوب لديه لا يريد خسارته.
سادساً/ ضعف الثقة بالنفس والتي لن تمكنه من حل المشكلة.
وعندما نتمعن في كيفية حال الناس عند التعامل مع المشكلات التي يواجهونها, نجد بأنهم يتفاوتون بين ثلاث فئات وهي:
الفئة الأول/ فئة تنفي وجود المشكلة مما ينتج عنه تراكم المشكلات فوق بعضها البعض وعدم القدرة على حلها.
الفئة الثانية/ فئة معتدلة فتعترف بوجود المشكلة وتبحث عن حلول لها مما ينتج عن ذلك حل المشكلة, وتُعد هذه الفئة الأفضل بين الثلاث فئات.
الفئة الثالثة/ فئة تهول المشكلة وتضخمها مما ينتج عنه اليأس من حل المشكلة.
ومما ينبغي التأكيد عليه عند وقوع مشكلة ما أنْ تجنب بعض الأخطاء الشائعة عند حل المشكلات, والتي قد تزيد الوضع سوءاً مما يصعب من حل المشكلة, ومنها:
أولاً/ الاستعجال في حل المشكلة بدون تأنٍ, مما ينتج عنه التوصل لأبواب مقفولة لحل المشكلة, وقد قيل: في العجلة الندامة وبالتأني السلامة.
ثانياً/ تقليد شخص ما في كيفية حله لمشكلة تعرض لها, فما يصلح لحل مشكلة شخص ما قد لا يصلح لك, نظراً لاختلاف سمات البشر والظروف المحيطة بهم.
ثالثاً/ قبول الحلول المؤقتة, والتي ما تلبث بعد فترة من الزمن أن تزول وتعود مرة أخرى لنفس المشكلة السابقة.
رابعاً/ تضخيم وتهويل المشكلة, بإعطائها أكبر من حجمها مما يزيد من تعقيد حلها وهي لا تستحق ذلك.
خامساً/ اللجوء لشخص غير مناسب عند الاستشارة.
سادساً/ إساءة التعميم, فعند عدم قدرته على حل مشكلة سابقة يفترض بأنه لن يستطيع حل المشكلة الحالية.
سابعاً/ شخصنة الأمور والتي تتمثل في بناء المشكلة الحالية على موقف سابق حصل بينه وبين الطرف الآخر.
ثامناً/ أنَّ المشكلة تحل نفسها بنفسها, فهذا الكلام غير صحيح إطلاقاً, ولنأخذ مثالاً على ذلك: مجتمع ما يعاني من ارتفاع نسبة العمالة الوافدة بين أفراده, فيُقال لهم بأن المشكلة ستحل نفسها بدون تدخل من مؤسسات المجتمع لتنظيم وضبط ذلك.
أما من حيث أساليب الناس في حل المشكلات فنجد بأنهم قد اعتمدوا على عدة أساليب منها: (التجربة والخطأ, وتقليد الآخرين, والحكم الشخصي, والأسلوب العلمي), وما يهمنا هنا أن نتعرف على أفضل هذه الأساليب ألا وهو الأسلوب العلمي والذي نحتاجه لحل أي مشكلة تواجهنا والتي تتلخص خطواته فيما يأتي:
أولاً/ الإحساس بالمشكلة.
ثانياً/ تحديد المشكلة.
ثالثاً/ وضع عدة حلول ممكنة.
رابعاً/ اختيار الحل الأفضل.
خامساً/ تنفيذ الحل الأفضل.
سادساً/ تقويم الوضع.
سابعاً/ إن تحسن الوضع فهذا ما نصبو إليه, وإن لم يتحسن الوضع نرجع للخطوة رقم 4 ونختار حلاً آخر وهكذا.
ويوجد هنالك مجموعة من المهارات اللازم توفرها في أي شخص يتعرض لمشكلة ما لكي تُمكنه من تجاوزها بأقل الأضرار الممكنة, وهي كما يأتي:
أولاً/ تأكد بأنك لست الوحيد الذي يتعرض للمشكلات, فجميع الناس لديهم مشكلاتهم الخاصة بهم, ولكن يكمُن الفرق بين الناس في كيفية علاج المشكلة.
ثانياً/ تذكر بأنَّ الحل الذي يناسب مشكلة غيرك ليس بالضرورة أن يكون مناسباً لحل مشكلتك, لأن صفات وطبائع الناس تختلف, كما أنَّ الظروف المحيطة بالناس تختلف.
ثالثاً/ كما أنَّ لكل باب مفتاح يفتحه, لذا تأكد بأن لكل مشكلة حلاً مناسباً لها فلا تيأس.
رابعاً/ ينبغي أن تعرف بأنَّ هنالك بعض المشكلات لن تستطيع حلها بشكلٍ مثالي, وإنما عليك التقليل من حدتها قدر الإمكان.
خامساً/ اعمل بقاعدة (10-90) حيث أنَّ 10 % تمثل الأحداث والمشكلات التي تتعرض لها في حياتك اليومية, و90 % تمثل كيفية تعاملك مع هذه الأحداث والمشكلات, لذا فإنَّ زِمام الأمور بيدك فأنت تمتلك النسبة الأكبر فلا تدع 10 % تُذهِب منك 90 %.
سادساً/ اعمل بقاعدة (الخريطة ليست هي الواقع) فليس كل ما تسمعه أو تراه صحيحاً 100 % لذا لا تستعجل في حكمك على أحد.
سابعاً/ اعمل بقاعدة الهمزات الثلاث وهي: (أشعر بالمشكلة, أفكر ذهنياً في أسبابها وكيفية حلها, أتصرف بحلها على أرض الواقع).
ثامناً/ عندما تريد استشارة أحدهم لحل مشكلة ما, فاحرص على من تتوفر فيه هذه الصفات: (من تثق به, ومن لديه علم بموضوع المشكلة, ومن لديه خبرة بتعرضه لمشكلة مماثلة لها).
تاسعاً/ احذر من استشارة أحد أقربائك لسببين هما: (سيغلب عليه الجانب العاطفي وقد يجاملك فلن يفيدك بل سيضرك, وإن زعل عليك في يومٍ ما فربما ينشر مشكلتك عند الآخرين).
عاشراً/ معرفة شخصية الطرف الآخر, ما هي نقاط قوته؟ وما هي نقاط ضعفه؟ لها دور كبير في حل مشكلتك معه إن أجدت استغلالها.
الحادي عشر/ عندما تريد أن تحل مشكلة بين طرفين, فكن مستمعاً جيداً للطرفين, لكي تكون متحدثاً لبقاً.
الثاني عشر/ أحياناً قد تكون مشكلتنا من أنفسنا, بتوهم وقوع مشكلة ما, وفي حقيقة الأمر لا توجد مشكلة.
الثالث عشر/ ضبط النفس والدفع بالتي هي أحسن, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس الشديد بالصرعة, وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب).
الرابع عشر/ استخدام الألفاظ الرقيقة مع أطراف المشكلة فما هم إلا كتلة من العواطف ولحم وعظم, يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ من البيان لسحراً).
الخامس عشر/ ربما تواجه بعض الناس يشكون إليك مشكلات تعرضوا لها, فهم يشكون إليك ليس من باب أن تبحث لهم عن حلول, بل لأن تسمع لهم فقط, لذا اعرف أين تقع حدودك في الحوار معهم وكُن متجاوباً معهم لكي لا تخسر ثقتهم بك.
ختاماً..
ينبغي علينا أنْ نؤمن بخمس مُسلمات عند حل المشكلات وهي كما يأتي:
أولاً/ التوكل على الله عند حل المشكلة, لقوله تبارك وتعالى: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}.
ثانياً/ عدم التذمر والتأفف من حدوث المشكلة فربما تحمل في طياتها خيراً عظيماً أراده الله لك.
ثالثاً/ الإكثار من الاستغفار عند وقوع المشكلة, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أكثر الاستغفار, جعل الله له من كل هم فرجاً, ومن كل ضيق مخرجاً... الحديث).
رابعاً/ الصبر على آثار المشكلات, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (عجباً لأمر المؤمن, إن أمره كله له خير, وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن, إن أصابته سرَّاء شكر فكان خيراً له, وإن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيراً له).
خامساً/ الدعاء بالأدعية المأثورة عند وقوع المشكلة, فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مرَّ به كربة أمرٍ ما يقول: (يا حي يا قيوم برحمتك استغيث).