عبدالوهاب الفايز
ألا تلاحظون أن المشاعر تختلط وتتداخل عندما تخرج البيانات الرسمية عن إيقاف متورطين في قضايا فساد وإهدار للمال العام!
نعم، فبقدر فرحنا باستمرار الجهود لمحاربة الفساد والحزم في تطبيق أسس العدالة، أيضًا نشعر بالمرارة والأسى تجاه من يتورطون بالممارسات غير النظامية، وأيضا نزداد قناعة بضرورة مواصلة تعزيز جهود الرقابة والمتابعة والمحاسبة، ورفع متطلبات واشتراطات الحوكمة في أداء القطاعين العام والخاص، وحتى القطاع الثالث. هذا ضروري حتى لا يجد المواطن أو الموظف الفرصة (في البيئة المناسبة، الرخوة نظاميا وإداريا) ثم يضعف وينجرف إلى المحرمات الدينية والنظامية، وبهذا نخسر مواطنين صالحين.
في السنوات الماضية حققت الجهود المبذولة لتعزيز النزاهة ومحاربة الفساد تطورًا إيجابيًا، والأهم استمرار التوسع لمواجهة هذا المرض الخطير علينا وعلى سلامة الجبهة الداخلية. محاربة الفساد (استثمار في هيبة النظام)، وفي هيبة مؤسسات الدولة. وعائد هذا الاستثمار نجنيه من توفير مواردنا المالية وعدم العبث بها، ونجنيه في مشروع تنمية أدوات (الحكم الصالح)، ونجنيه في تربية (المواطن الصالح)، وهذا أثره الإيجابي متعد للأجيال القادمة.
هذا التوسع نحتاجه لمحاربة الفساد بصورته التي نجدها في (الممارسات الإدارية السيئة) التي تؤدي إلى إهدار المال العام وإضاعة حقوق الناس. وهذا ضروري الآن ومستقبلًا للمشاريع الوطنية التي تُوفر لها الإمكانات المادية والبشرية، وتُوضع لها مخرجات ومستهدفات محددة. المسؤولون الذين يُكلفون بالإشراف عليها إدارتها واجبهم (الإخلاص لأهدافها وغاياتها)، وليس الإخلاص لمصالحهم الذاتية. التجرد والنزاهة واجبة حتى لا تنحرف هذه المشاريع عن مسارها ثم تتعثر، أو تختفي وتحلق في الفضاء البعيد!
لأن الخسارة هنا مركبة، فالمشاريع ذات الأهداف الوطنية الموجهة لتحقيق مكتسبات تنموية شاملة، أو اقتصادية أو إعلامية أو أمنية محددة.. هذه المشاريع إذا تعثرت وخذلتها الإدارة وسوء التنفيذ، فهذا ضربٌ من الفساد حتى لو كان يتستر بالمظلات النظامية. الفساد الذي يحدث تحت غطاء القانون هو الأخطر، وهذا يتطلب كفاءة المتابعة والتقصي المالي والإداري والقانوني، حتى نطور آليات الرقابة والتشريع الحامية من الفساد، بالذات تطوير الأنظمة وآليات تنفيذها. الدراسات والأبحاث واللقاءات العلمية المتخصصة ضرورية لإثراء تجربتنا في هذا المجال.
الاستراتيجية الوطنية للنزاهة ومكافحة الفساد نصت على أهمية (دعم وإجراء الدراسات والبحوث المتعمقة بموضوع حماية النزاهة ومكافحة الفساد). هذا المسار يدعم إجراء الدراسات المعمقة المساعدة لتطوير تجربتنا ومعرفتنا.. حتى نرصد ونعرف بدقة الفساد الناتج عن الإهمال وعدم الإحساس بالمسؤولية.
رفع استعدادنا الفكري والعلمي وتنمية مهاراتنا لمحاربة الفساد ضروري، لأن الحقبة القادمة سوف تشهد طرقا وآليات وممارسات جديدة للأعمال والإدارة. لذا نحتاج تحفيز روح الإبداع لمكافحة الفساد، فبلادنا تواجه ظروفًا استثنائية، محليا وخارجيا، ونعيش في عالم يتغير بسرعة، ومصالح الكبار تتشكل من جديد.
القيادات الفكرية في القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني والإعلام والأكاديميون، كل هؤلاء نحتاج استثمار تجربتهم ومعرفتهم حتى نعمق ونعزز الجهود الإيجابية المستمرة لحماية بلادنا من الفساد وشروره. نحتاج مساهماتهم حتى تطور الأجهزة الحكومية المعنية بالرقابة والحوكمة آلياتها ووسائلها.
نحتاج معرفة أثر التطبيقات التقنية الجديدة في الإدارة، وكيف نستثمر معطيات الذكاء الصناعي وتحليل البيانات. نحتاج إدخال القطاع الخاص كشريك فاعل في مشروع مكافحة الفساد، حتى لا يبدد موارده، أو يهدر مصالح الناس، بالذات الشركات المساهمة.
أمامنا الكثير لإنجازه في الحرب على الفساد، ونتطلع إلى المرحلة التي لا نسمع فيها (الأخبار الموجعة) عن إيقاف متورطين في الفساد من إخواننا المواطنين.