علي الخزيم
يُشاهد إعلاناً تجارياً لجهاز إلكتروني محمول من طراز جديد فيهجر جهازه ليقتني الجديد، وهكذا - وهو محدود الدخل - مع كل إصدار، ليظهر أمام الأصحاب والرفاق بمظهر القادر المتتبع لإبداع التقنية، لكنه يُرهق ميزانيته بما ليس ضرورياً فقديمه يكفي الحاجة ولئلا يضطر لترديد: الراتب لا يكفي الحاجة.
- بالمجالس والاستراحات ينتقد المبالغة بتكاليف الأعراس والمهور وتعدد المناسبات قبيل الفرح للخطوبة والشبكة ونحوها، ويؤكد أنها تبذير للمال وإرهاق للشباب راغبي الزواج، ويردد ما روي من أحاديث تحثُّ على التيسير وما فيه من بركة، فإذا ما كان الزواج والمناسبة تخصُّه - ذكراً كان أو أنثى - قال: لست بأقل من غيري! فيرهق وأمثاله ميزانياتهم ويُحمِّلون المتزوج ديوناً ترغمه نهاية كل شهر ليقول: الراتب لا يكفي الحاجة.
- يشاهد مقطعاً مصوراً لتبذير النعم أو رميها بالنفايات بعد مغادرة الضيوف، أو تكديس الأطعمة أمام الضيوف بكميات تكفي عددهم لمئة ضعف، ثم يرسله للآخرين للموعظة واتقاء غضب الله سبحانه، وبعد حين تراه قد أولم لنفر قليل بما يخالف نظرته السابقة وما يناقض موقفه من الصور والمشاهد التي يقنع بها الآخرين بعدم الإسراف، وتسأله عن العلَّة؟ فيقول: توارثنا الكرم عن الآباء والأجداد، وبعد المناسبة التبذيرية بأيام يبدأ اتصالاته بحثاً عن سُلفة لتكاليف مأدبة جديدة (لماذا يا حاتم؟ الراتب ما يكفي الحاجة)!
- في استراحة العملاء بالبنك كان أمامي شابين يتضح من كلامهما أنهما لا يعرفان بعضهما ويلتقيان هنا بإطار من شروط القرض الشخصي وتبادل المعلومات حولها، وبتوافقهما على أن القرض إنما هو لرحلة استجمام خارجية والتبرير أنهما منذ زواجهما الذي سيكمل السنة بعد أقل من شهر لم يسافرا مع زوجتيهما، كما فهمت أن القرض سيشمل تسديد قرض سابق إمَّا لسيارة جديدة قبل الزواج أو لكماليات وأجهزة ومجوهرات لم تكن ضرورية للحياة الزوجية، ما يعني أن الديون تتراكم لتغطية تكاليف ما لا يلزم، وأن العروسين فيما يبدو سيدخلان مرحلة العجز المادي والتذمر والتشكي، ومن ثم الكدر النفسي وتعكّر المزاج الذي قد يقود إلى مشكلات أسرية كان بالإمكان تجاوزها.
- بعد غداء منزلي زاخر بما لذ وطاب من النعم والخيرات، يصطحب الزوجة والأطفال لبعض الأسواق والمتنزهات فيمارس أخطاء مرهقة للميزانية ومؤثرة على الصحة بتناول المثلجات والحلويات والمعجنات من تلك الأماكن، وكان بالإمكان الوعي بأن التنزه يجوز دون الإضرار بمحافظنا وصحتنا، فليس لزاماً علينا شراء ما يتذوقه الأطفال ويرمون أكثره بالنفايات لأنهم - ولله الحمد - لا يشعرون برغبة الأكل بعد.
- من الحكمة وحسن التصرف أن نتفهَّم معنى المقولة القديمة: (القرش الأبيض لليوم الأسود)، وأن ننبذ الأكذوبة القديمة: (اصرف ما بالجيب يأتيك ما بالغيب)، فالعواطف والميل لإشباع شهوات النفس لا يجب أن تتحكم بميزانية الأسرة وتبذير الدخل الشهري وأي مال نجنيه، ومن يتهور بهذا الشأن ويصرف فوق طاقته فلا حق له بالتشكي، اللهم إنا نعوذ بك من الشُحّ والبخل، ومن الإسراف والتبذير.