شامان حامد
جاء في مسند الإمام أحمد من حديث ابن مسعود يرفعه: «إنَّ الله -عز وجل- لم يُنزل داء إلا أنزل له شفاء، علمه مَن علمه، وجهله من جهله»؛ لذلك كان الاهتمام بالصحة النفسية في مثل هذه الفترات العصيبة أمرًا غاية في الأهمية؛ جعل المجتمعات كلها، من أصغرها لأكبرها، تتخذ ما يقيها من الأوبئة والفيروسات، التي تترك أثرًا سلبيًّا على تعزيز الصحة النفسية، والمخاوف من العدوى، لدرجة أنها أثرت على التماسك الاجتماعي؛ لهذا حرصت (WHO) عند إطلاق المسمى العلمي لوباء كوفيد19 على عدم إعطاء انطباعات سلبية تؤثر نفسيًّا على الصحة العامة؛ فاستخدمت اسم SARS-CoV-2 على فيروس كورونا، واسم COVID-19 على المرض الذي يسببه هذا الفيروس. وكان حرفا «كو/ CO» اختصارًا لكلمة كورونا، وحرفا «في/ VI» اختصارًا لكلمة فيروس، وحرف «د/ D» اختصارًا لكلمة «مرض/ Disease» باللغة الإنجليزية؛ وكل ذلك بغرض تجنب الإشارة إلى مجموعات معينة من الأشخاص أو المواقع.
لقد غيّر كورونا خارطة الصحة النفسية في العالم، وأثبت فشل أقوى الأنظمة صحيًّا واقتصاديًّا، بل سياسيًّا؛ وهو ما دعا الخبراء إلى دعم الحكومات لساكنيها نفسيًّا خلال الأزمات، وتوفير المعلومات الموثوقة بشفافية بناء على قاعدة تعزيز الصحة.. ليطابق الواقع نفسه بتحذير علماء نفسيين من موجة «تسونامي» للأمراض العقلية بسبب إجراءات وتدابير الحكومات، خاصة الأطفال وكبار السن، مع معاناة المزيد من التأزم.
كان -ولا يزال- الجدل مستمرًّا حتى يومنا هذا حول أسباب الأمراض النفسية التي تتوافق في أغلبها مع المعتقدات بشكل غريب بين الغرب والشرق منذ أوائل ق 18م، ومساهمتها في إذكاء الوصمة الاجتماعية للأمراض النفسية بشكل كبير، كالسحر والحسد، أو ضعف في الشخصية والدين، بداية من تأسيس علم الطب النفسي؛ لتتمحور غالبية نظريات أسباب الأمراض النفسية حول فرضيات اجتماعية وبيئية وشخصية ودينية، عاكسة ثقافة الشعوب حينها.. ثم طور أواخر ق 19 «فرويد» نظرية التحليل النفسي، معتمدة على تجارب الطفولة، وما للنزعات الجنسية من دور في تفكير الفرد وتصرفاته، إضافة لدور اللاوعي.
لتأتينا النواحي البيولوجية والجينية، وتقنيات الأشعة الحديثة، بانقلاب علمي، كان له أثر كبير في اكتشاف التغييرات الدماغية ودور النواقل العصبية فيه؛ لتلغي أبحاثها كثيرًا من نظريات التحليل النفسي، وتوجِد خللاً في تلك النواقل مثل (الدوبامين والايبينفرين) كمسبب للأعراض، بل أثبتت الأبحاث في الاكتئاب وجود خلل في (السيروتونين والايبينفرين)، وهو استنتاج علمي واضح لأسباب المرض النفسي بعيدًا عن الخرافات وضعف الشخصية والدين.
لقد عانى بعض الأفراد من مواقف وظروف حياة أسوأ بكثير مما يعتري البشرية الآن، أشار «سيغرين» إليها في دراساته لسجناء أمريكيين في حرب فيتنام، وطريقة عقابهم بالحبس في «أقفاص النمر»، وأحيانًا في أحواض من الماء حتى أذقانهم ولمدد طويلة؛ لتكون إحدى المقاربات التي تنبأت بصحتهم النفسية على المدى الطويل، وشعورهم بالتفاؤل، بغض النظر عن مدى سوء أحوالهم، بأنهم سيبقون على قيد الحياة؛ فقد صاروا بالتفاؤل بصحة نفسية أفضل من المتشائمين.