تصريح ترامب هذه الأيام عن تفضيل المهارة على الشهادة في التوظيف الحكومي، تداوله الجميع بين مؤيد ومعارض على أيهما أهم الشهادة أم المهارة في التوظيف؟ بداية نحن لا نعلم ما الوظائف التي اعتمدت في هذا النظام وأي شهادة يقصد بها أن المهارة أهم فالتصريح غير واضح.
على أي حال معظم القطاعات الخاصة في السعودية تعتمد هذا النظام وتشترط مهارات محددة يجب توافرها في الموظف وخبرة بعدد السنوات، مثال على ذلك قطاع البنوك، فالمعلوم لديهم أن أي شخص خبرته مثلاً عشر سنوات ويحمل مؤهل دبلوم أو تعليم ثانوي في العمل أفضل من موظف جديد يحمل الدكتوراه بدون أي خبرة عملية تذكر. فالأول يفيد البنك أكثرن لأنه يحمل شهادة مهارة (خبرة) ولديه مهارات عملية قد يدرب غيره من الموظفين الجدد عليها مثلاً. هل هذا الشخص إذا لم تكن لديه شهادة خبرة ومهارة سيفيد المنشأة في رأيكم. ونقيس على ذلك عديد من المهن التي تتطلب الجانب العملي وخبرة العمل في الميدان.
مهارة أم شهادة؟ كلاهما مهم؛ فالشهادة هي التعليم من الابتدائي إلى المرحلة الثانوية وما بعدها المرحلة الجامعية ثم مرحلة الدراسات العليا. الشهادة هي التعليم بشكل عام مهما اختلفت مسمياته دبلوم مهني أم شهادة خبرة في منشأة أو شهادة دورات أو مهارات معينة مثل دورات في الحاسب الآلي واللغة الإنجليزية.
فالتصريح لم يكن واضحًا، هل يقصد الرئيس ترامب بالشهادة الدرجة العلمية والتعليم العالي؟ فكل قطاعات الوظائف تتطلب شهادة تعليمية أياً كانت الدرجة العلمية، فالشهادة هي إثبات أنك متعلم، فاللفظ هنا عام. الشهادة في التعليم العالي من جامعي إلى درجة أستاذ جامعي بلا شك أنه تأهيل علمي ضروري وله أهمية في التطوير والبحث العلمي، لكن ليست كل الوظائف تتطلب مثلاً دراسات عليا. لكن كل المهن والوظائف تستلزم شهادة تثبت أنك متعلم تقرأ وتكتب. معظم القطاعات تستلزم شهادات خبرة وأي قطاع أو مهنة لم تلتزم في تطوير نفسك فيه وبتجديد خبرتك والعمل الجاد أن تتعلم الجديد في هذه المهنة لن تتطور ولن تتعلم ولن تصل إلى أي طموح عالٍ ولن تكتسب أي مهارة جديدة.
هناك عديد من الأصداء في الشارع العام تتحدث عن الموضوع كنوع من السخرية من التعليم وإطلاق لقب (أصحاب تجميع الشهادات). لا أفهم لم هذا الهجوم؟ المعلوم أن كل شخص له هدف في الحياة. وهناك من يحب التعليم النظري ويفضل أن يتعلم مختلف العلوم وله اهتمام وهواية في هذا الجانب. ويريد أن يتعلم وينتقل بين العلوم النظرية. وهناك من يريد ويفضل الخبرة العملية والمهارات الشخصية كما قال ترامب personal skills.
علماً بأن المهارات الشخصية وتطويرها أمر ليس بالسهل ويستلزم وقتًا وجهدًا ومالاً ودراية ومتابعة لكل ما هو جديد لتكون لديك المهارة المطلوبة. وبالتالي كل هذه المهارات هي شهادات. ربما من الأجدر أن نصنف بعض الوظائف التي تستلزم خبرات عملية ومهنية أكثر وتتاح لحاملي هذه الخبرات والمهارات الأولوية. ونصنف وظائف أخرى تستلزم درجات علمية محددة ويتم توظيف أصحاب هذه الدرجات العلمية. فالقضية هنا ليست حربًا على أصحاب الشهادات أو أصحاب المهارات. كلاهما ضروري بحسب المتطلب الوظيفي وطبيعة المهنة فالعلم نور دائمًا. والعلم لا يأتي إلا بخير ولفظ تجميع الشهادات ينبغي ألا يذكر على سبيل التقليل من شأن العلم. فلنا في علمائنا المسلمين الأوائل خير قدوة أمثال الرازي وابن سينا وابن الهثيم وغيرهم الكثير. حيث نجد منهم الطبيب والعالم والفقيه والفيلسوف المفكر. ولديهم شغف العلم وتطوير المهارات الشخصية الدائم. تبهرنا سيرهم حيث يفهم كل منهم في الطب والفلك والفيزياء والأدب والشعر والفن والحديث والفقه وعلوم القرآن. القضية ليست تجميع شهادات وعلينا أن نقدر العلم ونرفع من شأن العلم فهو مقياس حضارة الأمم والشعوب. علماؤنا الأوائل لم يقل عنهم الغرب إنهم أصحاب تجميع شهادات، إذ لم ينر عصورهم المظلمة في تلك الأزمنة إلا تنوع العلوم والمهارات. فالمسألة هنا هي نسبة وتناسبًا وعلينا تقدير جميع الخبرات والعلوم في كل التخصصات والفنون العلمية.
** **
محاضر بجامعة الأميرة نورة - طالبة دكتوراه - المملكة المتحدة