الجامعة الملية الإسلامية في نيودلهي من أبرز الجامعات في الهند. وقد منحت شهادة الدكتوراه الفخرية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله ورعاه- في 2012م؛ في حفل خاص وكان خادم الحرمين الشريفين آنذاك أميرا لمنطقة الرياض.
وبمناسبة دخول الجامعة في العام المئوي من عمرها، تعود بنا إلى تاريخها بإيجاز بدءاً من إنشائها ومروراً بصعودها وهبوطها ووصولاً إلى ذروتها ونضجها في مجال الإبداع والتربية. ومما تجدر ملاحظته أن جذورها تمتد إلى فترة نضال الاستقلال. لذا تعتبر تراثاً ثقافياً لحركة الاستقلال كما تمثل مزيجاً من الثقافتين الهندية والإسلامية. فمن أبرز ملامحها أنها جاءت في إطار خطة شاملة تهدف إلى الجمع بين الفكرة الإسلامية والروح العلمانية في بيئة هندية ذات تعددية.
منذ تدهور الحكومة المغولية وإخفاق الثورة العارمة في الهند في نحو منتصف القرن التاسع عشر، سيطرت عليها القوات الاستعمارية. وما إن هيمنت على موارد الهند إلا حاولت صبغة البلاد باللون الاستعماري فكرياً وثقافياً. وهذا مما ألقى المسلمين على هامش المجتمع الهندي، فأجريت اتجاهات ثقافية تدعوهم إلى التحلي بالتعليم والتربية لرفع مستواهم الفكري؛ منها حركة تهتم بنشر الثقافة الإسلامية أطلقها محمد قاسم النانوتوي وزملاؤه من خلال إقامة دار العلوم الثائرة على الاستعمار الأجنبي في بلدة ديوبند بالقرب من عاصمة دلهي في 1866، ومنها حركة تعتني بتعليم التكنولوجيا والعلوم الحديثة أحدثها السيد أحمد خان وأصحابه عن طريق تأسيس الكلية الشرقية الخاضعة للحكم البريطاني في مدينة علي كراه في 1875.
عكفت المؤسستان على رفع مستوى المسلمين الفكري والثقافي في الهند، ولكن حدثت بينهما فجوة فكرية وازدادت على ترادف الأيام إلا أن الجامعة الملية الإسلامية بادرت إلى سد تلك الثغرة كما زودتهم بالرؤية التي أسهمت في تطوير القيم الإنسانية ومعالجة الأزمة الفكرية أثناء حركة الاستقلال. فاجتمع لأول مرة في تاريخ الهند نخبة من الكوادر المثقفة بمن فيهم نوابغ الفكر الإسلامي ورواد مقاومة الاحتلال أمثال الإمام محمود حسن الديوبندي وعبدالباري الفرنكي محلي وعبيدالله السندي وحسين أحمد المدني وكفاية الله الدهلوي وحفظ الرحمن السيوهاروي وكبار الزعماء أمثال محمد علي جوهر وشقيقه شوكت علي وأبو الكلام آزاد والحكيم أجمل خان والدكتور مختار الأنصاري والمهاتما غاندي وخان عبدالغفار خان وعبدالمجيد خواجه والدكتور ذاكر حسين (اختير فخامته رئيساً لجمهورية الهند فيما بعد) لمناهضة الاستعمار الأجنبي أثناء نضال الاستقلال. وأثمرت مساعي هؤلاء الرجال والزعماء جميعاً عن إنشاء الجامعة الملية الإسلامية في نحو أواخر الربع الأول من القرن العشرين في مدينة علي كراه. وما كان عندهم آنذاك سوى الإرادة القوية والهمة العالية بدلاً من أن يكون لها حرم جامعي ذو أرض واسعة ومبان شامخة وفصول ذكية حتى بدأت التربية في مخيمات مستأجرة لنهضة الأجيال الناشئين في الفكر والثقافة.
ومما لا ريب فيه أن الجامعة الملية الإسلامية ترافقتها تحديات وتضحيات منذ بواكير أيامها، كما عانت من أزمات اقتصادية خطيرة أكثر من مرة حتى خشي الإداريون على كيانها إلا أنهم تمكنوا من مواصلتها بفضل ما كان عندهم من عزم والتزام وطموح ومثابرة وتكريس إزاء هذه المؤسسة. وفي بداية حياتها تعرضت الجامعة للأوضاع القاسية، فاتخذ مجلس إدارتها قراراً لنقلها إلى العاصمة دلهي بعد مرور مجرد خمس سنوات بتأسيسها. وبالرغم من ذلك عجزت عن نيل الاستقرار بعد الانتقال إلى دلهي في 1925 حتى أن مساعدة مالية قدمها الحكيم أجمل خان والدكتور الأنصاري وخواجه لم تمكن من إحكامها لفترة طويلة، فهي ما خرجت من بلاء إلا وقعت في آخر. وما إن نفخ في روحها اتصال كل من ذاكر حسين وعابد حسين ومحمد مجيب بها بعد العودة من أوروبا لأجل الحفاظ على مصالح الجامعة إلا أن نعي الحكيم أجمل في 1927 هز بنيانها مرة أخرى. فحملوا مسؤولية إدارتها على عواتقهم إيفاء لما تعهدوا به من الحفاظ عليها. ومن أحسم تحديات ابتليت بها في حين اندلعت فيه نار الاضطرابات الطائفية في شمال الهند وشرقها قرب الاستقلال. فاستطاع الدكتور ذاكر حسين معالجتها بذكاء ونجاح، فقام بتوجيه دعوة إلى زعماء اتجاهات سياسية مختلفة إلى الجامعة بمناسبة احتفال اليوبيل الفضي في 1946. ويندر نظير ما قدم أساتذتها من تضحية مالية إبان تفاقم الأزمة الاقتصادية عن طريق اقتناعهم بمجرد نصف رواتبهم مع حاجة ملحة مست إلى أسرهم.
فالجامعة الملية الإسلامية تعتبر علامة فارقة في مواجهة التحديات المعاصرة وهي إحداث اليقظة الثقافية وتجديد المعرفة وإعداد قيادة الغد في أوساط المسلمين في الهند. ومن دون أن يبالي ما أصابها من أزمات خطيرة متتالية، ارتكزت على تحقيق أهدافها حتى تشكلت جامعة مركزية بموجب قرار أصدره البرلمان الهندي في 1988 معترفاً بدور ملحوظ لها في نشر الثقافة وغرس الوطنية. وكذلك يعد قسم اللغة العربية وآدابها بالجامعة الذي يترأسه أ. د. حبيب الله خان من أفضل أقسام اللغة العربية في طول الهند وعرضها. ولأساتذته المتميزين إسهام كبير في مد جسر التواصل الحضاري والتفاعل الفكري والتبادل الثقافي بين الهند والعالم العربي عن طريق الترجمة من وإلى اللغة العربية عبر السنوات.
كما يحظى باستضافة الزوار العرب بمن فيهم الزعماء والسفراء والأدباء والشعراء من دول الخليج العربي وبلاد الشام ووادي النيل وبقية منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مهرجانات ثقافية وندوات علمية ومحاضرات أدبية في أغلب الأحيان.
وأخص بالذكر الحفلة التاريخية الثقافية بمناسبة برنامج شهر اللغة العربية تم انعقادها في شهر إبريل في 2017 تحت رعاية كل من سعادة الدكتور سعود بن محمد الساطي سفير خادم الحرمين الشريفين لدى الهند وسعادة الدكتور عبدالله بن صالح الشتوي الملحق الثقافي في سفارة المملكة العربية السعودية في عهد رئاسة أ. د. محمد أيوب الندوي رئيس قسم اللغة العربية وآدابها سابقاً.