محمد ناصر الأسمري
الراية البيضاء ثقافة قديمة توارثتها الأجيال منذ زمن بعيد ولا يزال العمل بها في مناسبتها جارياً حتى الآن، لها معانٍ ومدلولات يقتنع بها من يفهم مدلولها. والراية البيضاء علامة للسلم وصفاء الأنفس، ودليل أيضاً على الرضا والاستسلام.
وقد وجدت مقالاً جميلاً في صحيفة إلكترونية، تحدث المقال عن معانٍ ودلالات ومفاهيم للراية البيضاء كتبه محمد آل حمري 20 مايو 2016م - 13 شعبان 1437هـ - عسير جاء فيه:
(تتداول قبائل الجزيرة العربية كلمة «بيض الله وجهك»، وهي أعلى عبارات المدح، ومعناها معنوي وليس حسياً، فبياض الوجه هو العفو عند المقدرة والوفاء والصدق والشهامة والكرم والمروءة والإيثار وغيرها من صفات وشيم العرب.
ففي الصلح القبلي يجلس المتخاصمون ويسدد الحكم بين المتخاصمين، يقرب وجهات النظر، يحاول أن يعفو ويتنازل المعتدى عليه عن حقوقه لإتمام الصلح رغم مضاضته، يظهر معدن العرب وتأخذهم النخوة والمدح للتنازل عن بعض حقوقهم لإتمام الصلح.
فبمجرد إعلان العفو وقبول الصلح تلهج الألسن بعبارات المدح والثناء، ويردد الجميع عبارة «بيض الله وجهك»، بيض الله وجهك، وهي أعلى درجة تقال في المدح عند العرب؛ لاقترانها بأغلى ما يملك الإنسان وهو الوجه، وكان المعتدي يتجنب الاعتداء على الوجه أثناء المشاجرات).
وكان العرب وما زالوا يتوارثون رفع الرايات البيضاء على الأماكن المرتفعة وفي التجمعات والأسواق والمشي بها بعيداً لإظهار فضل من ترفع له.
ورغم أن سحنة ولون معظم العرب تميل إلى السمرة أو ما يقال قمحي - حنطي - فلا أعلم السر أن يدعى لفلان أبيض وجه وللجمع بيضان وجيه، وهل يمكن أن تقال للمرأة؟ وإن قيلت فهو للجمال ولا ضير فيه رغم أن بعض العرب لا يحبون البياض في النساء كما في السودان وربما موريتانا.
وهنا في عصرنا الحاضر برز ما يشبه الظاهرة في هياط مبتذل أفقد العرف والمعنى بالإطلاق بيض الله الوجه رغم خلو المقصد والمرام من موجب لهذا المديح، فهذا الشيخ اللواء الدكتور صوعان تبرع بمليون ريال للمتسابق صولان الذي فاز في رمي القلة على منافسه السيد دوجان، فرفعت الراية البيضاء لكن الشيخ اللواء الدكتور تبرع لشخص من القبيلة نفسها بـ5000 ريال لعلاج ابنه من مرض عضال لكن لم ترفع راية.
بالمقابل، تبرع حاج من بلد إفريقي بإسعاف قافلة حجاج تاهت الطريق، فهل يقال له بيض الله وجهك، هل لا يقبل أن يغير اللون الذي منحه الله له.
كنت أمازح صديقي الدكتور هاشم عبده هاشم الأستاذ الجامعي والصحافي البارز حين غرد عن شخص أسود البشرة عمل عملاً جميلاً، فدعى هاشم للرجل بـ» بيض الله وجهه»، فتساءلت الرجل لا يريد قبول دعوتك فتبسم هاشم؟ ولا أنس الصديق البروفيسور عزالدين موسى الأستاذ الجامعي والفائز بجائزة الملك فيصل العالمية، والذي هو أيضًا من أمناء مركز حمد الجاسر، فإذا أحسن في قول أرد «بيض الله وجهك يا دكتور»، فيرد عليَّ «سود الله وجهك»؟؟
هنالك مواقف تستحق الإشادة بكل الألوان لمن يقدمون أعمالاً للإنسانية، ولعل صفي الدين الحلي وهو من زعامات طي، من هؤلاء الأفذاذ الذي نظم قصيدة بعد هزيمة القبائل العربية على المغول، ومنها هذه الأبيات:
سلي الرماح العوالي عن معالينا
واستشهدي البيض هل خاب الرجا فينا
بيض صنائعنا، سود وقائعنا
خضر مرابعنا، حمر مواضينا
اليوم عدد من الدول العربية قد وشحت أعلامها بالألوان البيضاء والحمراء والسوداء والخضراء.