ياسر صالح البهيجان
إن القيمة الحقيقيّة للمدن الحضريّة ليست في حجم استثماراتها ومتانة اقتصادها وقدرتها على استقطاب رؤوس الأموال، وإنما في دورها المجتمعي وارتقائها في سلّم تجويد نمط حياة سكانها، لتكون بيئة جاذبة لعيش الإنسان أيًا كان سنّه، من خلال تأسيس بيئات عمرانية تعززها سياسات تنظيميّة من شأنها تحقيق تطلعات مختلف الشرائح الاجتماعية بملامستها لاحتياجاتهم الفكريّة والجسديّة والنفسيّة، لينعموا بحياة متكاملة الأركان ومساهِمة في تعزيز انتمائهم لبيئتهم.
في الفضاء العمومي لمدننا لا نكاد نجد حضورًا لافتًا لشريحة المسنين، وهو مشهد يحفزنا على طرح تساؤل حول مدى إمكانات المدن الكفيلة بحثهم على المشاركة المجتمعيّة أسوة بالعديد من المجتمعات المتحضرة، من حيث مدى أهليّة المساحات الخارجية والمباني لاستقطابهم، وملاءمة وسائل النقل المختلفة لضمان سلامة تنقلاتهم، ونوعيّة الفعاليّات المجتمعيّة الملائمة لتوجهاتهم، وطرق رعايتهم وخدمتهم أثناء تواجدهم خارج منازلهم.
ربما يكون العائق الأكثر تأثيرًا هو إمكانيّة التنقل والوصول الشامل، إذ لا تزال هناك عوائق تحول دون سهولة سير المسنين من مركباتهم إلى وجهاتهم داخل المدن سواءً كانت وجهات عامة كالحدائق والمتنزهات أو خاصة كالمراكز التجارية، إمّا لغياب المنحدرات التي تعينهم على صعود الأرصفة والنزول منها، أو لعدم تخصيص مواقف لهم تكون قريبة من المداخل والمخارج. والأمر الذي لا يجب إغفاله، هو محدودية الفعاليات التي تستهدف شريحة المسنين وتحفزهم على الحضور والمشاركة.
تحويل مدننا إلى مدن صديقة للمسنين لن يحدث بجهود فرديّة، بل يتطلب الأمر تشريعات ومبادرات نوعيّة تُطلقها الجهات المسؤولة عن تنمية المدن كهيئات التطوير ومؤسسات القطاع البلدي والجهات المعنية بالخدمات الاجتماعية، على أن تكون البداية من مدينة كبرى كالرياض مثلاً لبناء نموذج تحاكيه سائر المدن وفق إستراتيجية تنفيذية تراعي التدرج وتراكم الخبرات والتجارب لبلوغ المستوى المأمول وتحقيق أقصى درجات الاندماج المجتمعي للمسنين.
توفير هذا النوع من البيئّات الصديقة للمسنين ليست ترفًا حضاريًا، وإنما ضرورة ملحة لما لكبار السن من دور اجتماعيّ بارز يسهم في المحافظة على الترابط المجتمعي، فضلاً عن حاجة الأجيال الشابّة لاكتساب المعارف والقيم والتجارب التي يحملها المسنون، إضافة إلى كون تلك الخطوة عرفانًا لصنيعهم وما قدموه لوطنهم في مرحلة شبابهم. نحن أمام مكاسب متعددة لهذا التوجّه متى ما جرى تحويله إلى أرض الواقع.
رؤيتنا الطموحة 2030، أكدت في برنامجها «جودة الحياة» على أهميّة تفعيل المشاركة المجتمعيّة شاملة بذلك شرائح المجتمع كافّة، ونتطلع اليوم إلى جعل مدننا منافسة على مراكز متقدمة عالمية وهو ما يتطلب تحركنا نحو جعلها صديقة للإنسان في جميع مراحله.