د. محمد بن عبدالله آل عمرو

تعد السياحة جزءًا أساسيًا من رؤية المملكة 2030 التي أكدت على دعم المشاريع السياحية وتطوير المواقع السياحية وتهيئة وتطوير المواقع التاريخية والتراثية للوصول بها إلى أن تكون إحدى الروافد الأساسية للاقتصاد، وتزخر بلادنا بثروة ضخمة من المواقع السياحية والتراثية التي يمكن أن تجعل المملكة العربية السعودية واحدة من أبرز جهات السياحة في العالم، في حال حظيت بما تستحقه من الاهتمام والتأهيل، وتوفير خدمات السفر والإقامة والتسوق وغيرها من متطلبات السياح.

وبيشة كغيرها من محافظات المملكة التي لا تكاد تجد فيها ناحية تخلو من موقع يصلح أن يكون مشروعًا سياحيًا ناجحًا بامتياز، أو موقع أثري أو تاريخي يصلح أن يكون مزارًا سياحيًا واعدًا. ويعد مناخ بيشة المعتدل صيفا وشتاء، وموقعها الجغرافي الذي لا يبعد كثيرًا عن جنوب المملكة ووسطها وغربها، وكذلك ارتباطها بشبكة من الطرق مع تلك الجهات، إضافة إلى وجود أحد أقدم المطارات المحلية، تعد تلك المميزات عوامل أساسية في نجاح المشروعات السياحية فيها.

وسأخصص الحديث في هذا المقال عن ثلاثة مواقع سياحية واعدة إن هي حظيت بالاهتمام المناسب من وزارة السياحة، وبدعم صندوق الاستثمارات العامة لتأهيلها ولتهيئتها ولدعم الاستثمار فيها، وهي:

* سد الملك فهد على وادي بيشة، وهو يقع جنوب مدينة بيشة بنحو (40) كلم، ويعد هذا السد من أكبر السدود في المملكة العربية السعودية من حيث الحجم والطاقة التخزينية للمياه، حيث يصل ارتفاعه إلى (103) أمتار، وتبلغ طاقته التخزينية (325) مليون متر مكعب، وتذكر بعض المصادر أنه أكبر سد خرساني في الشرق الأوسط، وثاني أكبر سد من حيث السعة التخزينية بعد السد العالي في مصر، ويعد وادي بيشة أحد أكبر الأودية في الجزيرة العربية حيث يزيد طوله عند موقع السد عن (250) كيلومترا، وتبلغ مساحة تجميع السيول لهذا السد حوالي (7600) كلم2، ويمكن أن يكون سد الملك فهد أحد المواقع السياحية الجاذبة، نظرا لجودة المناخ واعتدال درجات الحرارة صيفا وشتاء، وتجدر الإشارة إلى أن المخزون المائي خلف السد لم يبلغ ارتفاعه حد المفيض منذ افتتاحه في محرم 1419هـ. وذلك يعود إلى ارتفاع مفيض السد، وسعة مساحة تجميع السيول، ولا أدري إن كان توقيع المؤسسة العامة للري عقدا لمشروع الاستفادة من المخزون المائي في حوض السد بالطرق المثلى في شهر مارس 2020م يندرج تحته إمكانية تهيئة بحيرة السد وشواطئها لتكون موقعا سياحيا يضيف قيمة عالية للسد، ويكون معلما سياحيا ومتنفسا جميلا لمرتاديه أم لا.

* منتزه يلا، وقد سمي الموقع باسم سلسلة جبلية تقع شمال شرق مدينة بيشة، ويقع المنتزه على أرض برية منبسطة خصبة، تكثر بها بعض الشجيرات البرية، والمكونات الطبيعية، وتقدر مساحة الجزء الأول منه بنحو (18)كلم2، وقد تم تطويره ضمن خطة وزارة البيئة والمياه والزراعة للمنتزهات الوطنية، حيث تم منذ ثلاث سنوات استزراع (140) ألف شجرة سدر وطلح، وأصبح ارتفاعها حاليا نحو أربعة أمتار، وبلغت تكلفة المشروع نحو (8) مليون ريال، وتعمل الوزارة حاليا لتهيئة الجزء الثاني من المشروع لاستزراع نحو (160) ألف شجرة، ومن المتوقع أن يكون لهذا المشروع الواعد أثره في تلطيف مناخ محافظة بيشة، وأن يكون ذا مرود اقتصادي كبير من حيث إنتاج العسل، وقيام مشاريع استثمارية سياحية كبرى لتكون رافدا حقيقيا للاقتصاد .

* موقع العبلاء التاريخي، يقع في مركز العبلاء شمال غرب بيشة بنحو (60) كلم، وهو موقع قديم يتميز بوقوعه على مسيل عدد من الأودية وذي تربة جيدة ومراع خصبة، وقد عاصر النشاط الاقتصادي لممالك جنوب الجزيرة العربية، فقد كانت له أهميته خلال ازدهار تجارة قريش إلى اليمن، ثم ضعفت مكانته وأهميته بعد ظهور الإسلام، وإن كان الاستيطان فيه لم ينقطع. وتكمن أهميته في مناجم الذهب، وتدل المباني التي لاتزال أطلال جدرانها ماثلة للعيان على أن الموقع كان عامرًا طوال العام. ويبدو أنه كان يضم عددا من الأحياء يرتبط كل حي منها بحرفة خاصة ترتبط بصناعة التعدين، مثل: الحدادة، والنجارة، وصناعة الفخار، بالإضافة إلى مهن مساندة، مثل: بناء الأفران وتزويدها بالوقود لإنجاز عمليات الصهر واستخلاص المعادن، ونظرا لتنوع طبيعة المكونات الطبيعية للعبلاء حيث تحيط بالقرية التاريخية عدة أودية تجري المياه في أحدها طول العام تقريبا، وتكثر فيها أشجار السدر والطلح، وكذلك توجد بعض المرتفعات الجبلية، والسهول البرية الخصبة، ونظرا للموقع الجغرافي معتدل المناخ صيفا وشتاء، ووقوعه قريبا من الطرق التي تربط منطقة عسير بمنطقتي الباحة ومكة المكرمة وطريق الرياض - الباحة، واعتدال المناخ فيه صيفا وشتاء، فإنه يصلح أن يكون مشروع سفاري كبير تتنوع فيه الحيوانات البرية بحسب الطبيعة الجغرافية للمكان. لعل هذه المشاريع الثلاثة تجد أولوية في الاهتمام والعناية من الجهات ذات العلاقة.

خاتمة لابن الرومي يصف غروب الشمس:

وقد ضُرِبَتْ من خُضْرَةِ الروضِ صُفْرَةً

من الشمسِ فاخْضَرَّ اخْضِرارا مُشَعْشِعَا

وأذكى نَسِيمَ الرَّوضِ ريعانُ ظِلِّهِ

وغَنَّى مُغَنِّي الطَّيْرِ فيه مُسَجَّعَا