سهوب بغدادي
أظهرت أرقام رسمية تراجع معدل البطالة بين المواطنين السعوديين إلى 12 % في الربع الثالث من 2019 مقارنة بـ12.3 % في الربع السابق، ليبتعد بدرجة أكبر عن مستواه القياسي المرتفع 12.9 % المسجل في 2018. وتشير البيانات الآنف ذكرها إلى أن الإصلاحات الاقتصادية التي أطلقتها المملكة العربية السعودية قبل ثلاث سنوات بدأت تؤتي أكلها. في الوقت الذي شهدنا فيه خلق وظائف جديدة في السوق السعودي في قطاعات عديدة، كالترفيه والسياحة والثقافة؛ وتطمح المملكة - بحول الله - إلى خلق 1.2 مليون وظيفة بحلول 2022، وتقليص الفجوة في الأجور بين المواطنين والأجانب، وفقًا لموقع العربية.
ولا يخفى على أي شخص من أي دولة كانت أن البطالة ملف شائك، ومن أولى القضايا التي تستلزم التدخل غير التقليدي لإيجاد حلول جذرية لها عوضًا عن الحلول المؤقتة. وذلك ما شهدناه خلال السنوات القليلة الماضية من تطور في قطاعات كثيرة متميزة، وعمل الشباب السعودي بها في مناصب قيادية. وبطبيعة الحال لن نقتلع البطالة بنسبة 100 % نظرًا لوجود أبعاد تخرج عن كونها إشكالية اقتصادية إلى أبعاد أخرى اجتماعية احتمالاً، أو نفسية، أو لأسباب شخصية، وما إلى ذلك. فالهدف يكمن في تقليل نسبة البطالة، والحد منها، والحفاظ على أقل المعدلات. ومثالاً لذلك: تتصدر جمهورية التشيك بلدان الاتحاد الأوروبي (28 بلدًا) بوصفها أقل الدول بطالة في التكتل خلال إبريل الماضي، بنسبة قدرها 2.1 %، بحسب بيانات وأرقام رسمية حديثة. فلماذا لم تقتلع التشيك البطالة من جذورها؟ الإجابة تكمن لدى الـ2 % من خلال تلمس الأسباب الجوهرية خلف تعطلهم عن العمل. وإلى أن نصل إلى نسب مشابهة، يسهل علينا استطلاع أسبابها، وإجراء دراسات محكمة، يجب أن نضع بعين الاعتبار الوضع الجيوسياسي والاقتصادي والثقافي للدولة؛ فلا توجد مقارنة عادلة بين دولة وأخرى؛ كون الأبعاد والتداعيات السابق طرحها تؤثر بشكل مختلف في حياة الفرد والمجتمع جملة وتفصيلاً. على سبيل المثال: مساحة التشيك تبلغ 78.866 km²، في المقابل فإن مساحة المملكة العربية السعودية 2.15 million km²؛ فالمقارنة لا تصح بين البلدين باعتبار الهوة الشاسعة في المساحة الجغرافية. وقس على ذلك.
إن سبب طرحي هذه القضية ليس للقضية بحد ذاتها، بل لتبعاتها المنعكسة على العاطلين. فالمتعطل يفكر بالنهج الفردي لا الجماعي، بمعنى «إنني تخرجت، أو عدت من دولة الابتعاث؛ وبالتالي سأجد الوظيفة».. غافلين أن العالم بأكمله يعاني من تداعيات الأزمة الصحية العالمية بتفشي فيروس كورونا الجديد، وقبل ذلك الأزمات الاقتصادية التي تستقي عجزها من الحروب والمجاعات، وغيرها من الاعتبارات.
لم يعجبني بتاتًا ولا أشجع على أسلوب (الضغط بأدب) و(الاستعطاف) للرأي العام عبر مواقع التواصل الاجتماعي. فليست المرة الأولى أو الأخيرة التي نرى فيها مقطع فيديو فيروسيًّا لخريج أو خريجة، يكسبان لقمة العيش من خلال أعمال لا تمت إلى تخصصَيْهما بصلة.
إن نهج الاستعطاف مُجدٍ حقًّا باعتبار أن المشاهير يبحثون عن الترندات والمشاهدات العالية من خلال إثارة اللغط، إلا أن هذا اللغط اللحظي وغير المفيد في حل المشكلة سيسهم في تشويه صورة (وطنك) الذي يسعى جاهدًا في أكثر من قضية وجبهة داخلية وخارجية لجعل الحياة أفضل. لطالما تغنَّينا بمصطلح القوة الناعمة، وأننا بحاجة ملحة لتفعيلها، فمع ظاهرة الاستجداء الإلكتروني تتراجع الصورة الذهنية للمكان ومَن به، كما قد يؤثر هذا الفعل مستقبلاً على معدلات قبول الطلاب من دولة ما في الخارج بغية حفاظ الكيان التعليمي على مخرجاته وصورته. فمن يلبس عباءة التخرج ذات الهيبة والحضور للبيع على الأرصفة والطرقات يسيء للصرح التعليمي بشكل مباشر، ويسيء لصورة بلده، ويسيء لنفسه أيضًا. لم أعجب حقيقة بمبدأ (أنا أفضل من هذه المهنة)؛ فأغلب الناجحين في سِيَرهم الذاتية بدؤوا من الصفر، أو من مكان ليس مكانهم. إن لبس العباءة، واستجداء الانتباه لتوجيه الرأي العام بهدف الحصول على (رغبة يتيمة)، أمرٌ أناني فعلاً؛ فمن يُحب يحرص على الطلب بشكل غير مؤذٍ من محبوبه. وإلى جانب الحرب الفعلية هناك حرب أدهى وأشد وطأة، ألا وهي الحرب الإلكترونية. فمثل هذه المواد العشوائية والأنانية تشكّل صيدًا فاخرًا للأعداء، ويتم استغلالها لتشويه صورة الوطن، وأكثر من ذلك بكثير.
لا أعلم منطق الأشخاص الذين يسهمون في إعادة تدوير هذا المحتوى المضر، ولا أفهم نظرة سيادة العاطل الدونية للمهن الشريفة.
فما أجمل أن تصنع كوبًا من السعادة للأشخاص، أو أن توزع خبزًا على الكورنيش وبداخلك حلم سيتحقق - بإذن الله -، ومن ثم تحكي قصتك للأجيال القادمة؛ لتلهمهم ثمار العمل والسعي والتطوير باستمرار بهدف تحقيق المراد. أليست هذه النسخة من القصة أفضل من تلك التي استكثرت فيها وقتك على الوجود في مكان ما؟ كلنا نبحث عن العظمة، ولكن قلة مَن يتصرف بناء على ذلك.
ملاحظة: هذا المقال ليس لإحباط العاطلين أو مهاجمتهم، بل لإعادة توجيه نظرتهم إلى أنفسهم بالعمل على تحسين ما ينقصهم لدخول سوق العمل؛ فهنالك العديد من الأمور التي يعدها الشخص ثانوية، ولكنها تؤثر في عملية الحصول على فرصة، كتحديث وتفعيل السيرة على منصة «لنكد إن»، أو تقوية اللغة الانجليزية ومهارات الحاسب، ووجود أعمال خارج النطاق الأكاديمي، كالأعمال التطوعية؛ ليضحى الشخص متميزًا وإضافة لأي جهة.