نعيش اليوم أحد أكثر الأوقات تحديًا ومنافسة، حيث أصبح الجميع في حالة سباق دائم إلى القمة.. من سيصل أولاً؟
قد لا يخلو يومنا من مشاهدة كثير من الصراعات على مواقع التواصل الاجتماعي، كونها النافذة التي نرى من خلالها العالم ويرانا عبرها الآخرون، والبقاء هناك للأكثر ابهاراً ونجاحاً.
وُضعت معايير محددة للنجاح، فأصبح نجاح الفرد يقاس على مدى فعالية وانتعاش حساباته على السوشيال ميديا وعلى ما يعرضه فيها، وعلى موقعه من بين كل المشاريع والمبادرات الشابة التي تنهض يومياً بلا توقف. فهل أصبح بالضرورة أن يخطو الجميع نفس الخطى ليحققوا شيئاً ربما لا يكون ضمن قائمة أهدافهم؟
تراودنا الأسئلة كثيراً ما ان كان النجاح نسبياً فعلاً. مثلاً، أليست الحياة الأسرية المستقرة نجاحاً؟ ألا يعد بناء علاقات اجتماعية ذكية ومتوازنة أيضاً نجاحاً؟ أليس هناك من هو مستقر نفسياً ويملك بهجة عاطفية واكتفاء ذاتياً؟ أو من هو مبدع في مجاله الوظيفي دون أن يرائي بذلك العامة؟
اليوم.. هل كل نجاح يجب أن يُشاهد ويُرى ويُسمع؟ حتى أصبحنا نمارس الضغط على أنفسنا وعلى من حولنا لكي نحول حياتنا الهادئة المستقرة إلى مسرح يشاهده الجميع ويشهد على انجازاتنا متابعو السوشيال ميديا أياً كانت اهتماماتهم!
أصبح العالم لا يعترف بوجود شخص «عادي»، وبالتالي لم تعد ترضينا النجاحات الصامتة التي لا يعرف عنها أحد، فتاجرنا بمواهبنا واستعرضنا بقدراتنا حتى فقدت خصوصيتها وندرتها. كما أصبحنا نتغذى على الاطراء أكثر من استمتاعنا بما نقوم به، فصارت هواياتنا عبئا ثقيلا وتحولت من كونها متنفسا لنا من الضغوطات إلى واجب مُتقن التنفيذ كي ينال على الرضا والاعجاب.
مثل هذه الضغوط أو المعايير التي وضعها البعض فأصبحت لزاماً على الجميع؛ أثرت بشكل سلبي في كثير من الشباب والشابات الذين ما زالوا يخطون أولى خطواتهم، فسيرتهم إلى مضمار السباق الذي أصبح الكل فيه على عجلة من أمره لينجح أكثر.. ويربح أكثر.
لا يعني ذلك بأن الشهرة في كثير من المجالات غير مهمة، بل على العكس فإنها غالباً ما تكون مؤثرة ومحفزة للآخرين. لكن المهم هنا أن نتوقف قليلاً لنسأل أنفسنا، هل هذا ما نريده حقاً أم أننا في محاولة لمواكبة ثقافة هذا العصر؟ وأن نتوقف عن الاستجابة لتلك العبارات المستهلكة التي لا يكاد يخلو منها أي حديث مثل «افتح انستقرام» أو «انشر على تويتر!»
في زمن السباق، لنتمهل في خطواتنا ونحدد أولوياتنا واختياراتنا، حتى لا تخلو رحلتنا من المتعة والتأمل.