منذ وقت مبكر، أدركت المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة، أن الابتكار والتطوير هو الطريق الوحيد للبقاء بين الأقوياء، وأن غير المبتكرين لن يكون لهم حق العيش بعد اليوم، وسوف يندثرون ويختفون في مجاهل التاريخ، يغشاهم النسيان في ظلام دامس، ومن هنا استثمرت المؤسسة رؤية المملكة 2030 ، وتفاعلت مع دعوة مهندسها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للأفراد والشركات بضرورة تفعيل الابتكار والإبداع في تنفيذ متطلبات الرؤية ومخططاتها.
ولم يمر وقت طويل، من إعلان الرؤية، إلا وبادرت «مؤسسة التحلية» بوضع استراتيجية عمل محكمة، ترفع شعار «الابتكار» في كل خطوة تخطوها، وحثت كوادرها على أن يكونوا موظفين ولكن بدرجة مبتكرين ومبدعين، هذه الاستراتيجية غيرت المفهوم السائد بين الناس حول دور المؤسسة ومهام عملها، من كونها منشأة تتولى تحلية المياه، وإيصالها إلى المستفيدين في ربوع المملكة، إلى مؤسسة عملاقة، تعمل وتبتكر وفق رؤية شاملة ومتجددة، تعتمد على التخطيط المُحكم، والتنفيذ المُتقن.
في مقال سابق عن المؤسسة، أبديت تفاؤلاً بمستقبلها والدور الذي ينتظرها ضمن المخطط الشامل للنهوض بمقدرات الوطن، اليوم، أرى أن هذا الدور قد تبلور وحقق أهدافه على أرض الواقع، من خلال نتاج مشرف، يبعث على الفخر والاعتزاز.
العمل الجاد لمؤسسة التحلية في الفترة الأخيرة، اتسم بالجدية والحرص على تحقيق النجاحات المأمولة، هذا العمل لم يعترف بالمعوقات أو التحديات، وواصل مسيرته المظفرة في ذروة جائحة كورونا، ولأن لكل مجتهد نصيباً، كان نصيب المؤسسة أن تتوصل إلى إبداع جديد، هو الأول من نوعه، تمثل في ابتكار محطات تحلية صغيرة، ولكن بكفاءة عالية في استهلاك الطاقة، فضلاً عن المرونة في التشغيل والتنقل، هذه المحطات أبدعتها فكرةً وتصميماً وتنفيذاً كوادر المؤسسة، التي تعهدت بأن تصعد بها إلى آفاق رحبة من تسجيل الحضور بكفاءة التشغيل، وتعزيز دور المؤسسة الصناعي في التنمية الوطنية.
ليس عندي شك أن ابتكار المحطات الصغيرة بهذه الآلية، سيكون بداية تحولات جذرية في آلية عمل المؤسسة وأهدافها وطموحاتها في مشوار نهضة الوطن وازدهاره، هذه التحولات تجعلها منشأة إبداعية متكاملة، قادرة على إيجاد الحلول العلمية المناسبة للكثير من المشكلات والتحديات، ولن نذهب بعيداً، ونتأمل المحطات المبتكرة، لنرى أنها تعمل بتقنية التناضح العكسي، وتستخدم تقنيات حديثة تقلل التكاليف التشغيلية والرأسمالية، وهي خطوة لطالما نادت بها رؤية 2030 وشددت عليها في كل المشاريع الحديثة، ولكن ما لفت نظري حقاً حرص المؤسسة على تقليص الطاقة المستهلكة، وهو توجه عام أعلنته الرؤية وتتسابق مؤسسات الدولة على تنفيذه.
أؤمن أن مسلسل الإبداع في مؤسسة التحلية، ما زالت له حلقات كثيرة لم يُكشف النقاب عنها بعد، وأؤمن أيضاً أن كوادر المؤسسة تعكف حالياً على ابتكارات جديدة، ما زالت في مرحلة التجربة والاختبار، وغداً سنحتفل سوياً باختراعات جديدة، تبتكرها مؤسسة التحلية.